تعلق به حق ضرر العامة. فإذا رفع إلى القاضي أمر المحتكر ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله على اعتبار السعر في ذلك فنهاه عن الاحتكار، فإن رفع التاجر فيه إليه ثانيًا حبسه وعزره على مقتضى رأيه، زجرًا له أو دفعًا للضرر عن الناس. فإن كان أرباب الطعام يتعدون ويتجاوزون القيمة تعديًّا فاحشًا وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير، سعر حينئذ بمشورة أهل الرأي والبصيرة، وإذا تعدى أحد بعد ما فعل ذلك أجبره القاضي، وهذا على قول أبي حنيفة ظاهر، حيث لا يرى الحجر على الحر، وكذا عندهما، أي عند أبي يوسف ومحمد، إلا أن يكون الحجر على قوم معينين. ومن باع منهم بما قدره الإمام صح؛ لأنه غير مكره عليه. وهل يبيع

القاضي على المحتكر طعامه من غير رضاه؟ قيل: هو [على] الاختلاف المعروف في مال المديون. وقيل: يبيع ههنا بالاتفاق؛ لأن أبا حنيفة يرى الحجر لدفع الضرر العام.

والسعر لما غلا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه التسعير فامتنع لم يذكر أنه كان هناك من عنده طعام امتنع من بيعه، بل عامة من كانوا يبيعون الطعام إنما هم جالبون يبيعونه إذا هبطوا السوق، لكن: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع حاضر لباد"1، نهاه أن يكون له سمسارًا وقال:

"دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" 2.

وهذا ثابت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه، فنهى الحاضر العالم بالسعر أن يتوكل للبادي الجالب للسلعة؛ لأنه إذا توكل له مع خبرته بحاجة الناس إليه أغلى الثمن على المشتري، فنهاه عن التوكل له -مع أن جنس الوكالة مباح- لما في ذلك من زيادة السعر على الناس.

ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تلقي الجلب3، وهذا أيضًا ثابت في الصحيح من غير وجه، وجعل للبائع إذا هبط إلى السوق الخيار، ولهذا كان أكثر الفقهاء على أنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015