الفصل الأول

«آية السحر» ، و «حديث السحر» ، ومباحث في فقه العلماء لهما

تمهيد:

إن الشريعة الإسلامية الغرَّاء - وهي خاتمة الشرائع - لم تكن لِتدعَ الناسَ يخبِطون خَبْط عشواءَ في شأنٍ بالغ الخطر كالسحر، ذلك الخَطْب الجلل الذي بقي مرافقًا لمسيرة كثير من الأمم السابقة، ومزاحمًا - بغير حق - لدعوات الأنبياء _ت ورسالاتهم، بل قد بلغت الصفاقة بقوم مبلغًا ادّعَوا معه أن السحر حقيقة رسالة نبيٍ قد امتن الله عليه بمُلك لا ينبغي لأحد من بعده، ذلك نبي الله سليمان عليه السلام، الذي ادعى يهودُ - ظلمًا وعدوانًا - أنه كان ساحرًا وحسب، استمد عونًا من سحره ليوطد بذلك ملكه، ويبسط نفوذه على الجن والطير والحديد والرياح، فاستساغوا عندها تعلُّمَ السحر، بل وتعليمَه، والعملَ به، وليس ذلك بمستغرب من قوم لم يَدَعوا نقيصة إلا وألصقوها - زورًا وبهتانًا - بأنبياء الله، ليستبيحوا بعدها كل معصية يشيعونها، وكل معصية يقارفونها. لذلك كله نزلت الآيات القرآنية كالصواعق على قلوبهم؛ تحرق أباطيلهم، وتعيد الأمر إلى نصابه، وتدعوهم ليثوبوا إلى رشدهم، وليدركوا مغبَّة افترائهم، فيتداركوا ما فاتهم، فلا يُؤثِرون السحر على الحق، ولا حطامَ الدنيا على ثواب الآخرة.

نعم، لقد حَفَلت نصوص الكتاب والسنة، بالآيات والأحاديث، التي بينت منشأ علم السحر، والحِقْبة التي اشتهر فيها، والقوم الذين تولَّوا كِبْر تعلُّمِه وتعليمه والعملِ به، وكثرة افتتان الخلق إنسهم وجنهم به، كما بيَّنَتْ هذه النصوص - بحمد الله - حقيقة السحر وغاية تأثيره، وإمكان إبطاله، وأنه لا يعدو في حقيقته أن يكون: كيدًا زيفًا باطلاً وهمًا مموِّهًا، مغايرًا تمام المغايرة للحق الواقع البيِّن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015