8- ... يقول تعالى: [البَقَرَة: 102] {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} ، وهنا مسألتان أيضًا:
الأولى: هل ما أُنزل على الملكين من تفريق بين المرء وزوجه، هو عينُه السحر الذي تُعلِّمه الشياطين، أم هو معنىً غير السحر؟ وهل يقدر الساحر على أكثر من التفريق؟
قال قتادة رحمه الله: (السحر سِحران: سحر تعلّمه الشياطين، وسحر يعلّمه هاروت وماروت) (?) ، وعلى ذلك يكون السحر الذي أنزل على الملكين هو سحر خاص بالتفريق بين المرء وزوجه. [ويكون عطف: {وما أنزل} على لفظ {السحر} ، لتنزيل تغاير المفهوم منزلة تغاير الذات] (?) ، فما أنزل على الملكين هو مغاير في ذاته لما تعلمه الشياطين الناس من ضروب السحر، ثم تفتري على ملك سليمان بأنه كان يسخّر من يسخّر بالسحر.
والثانية: كيف يمكن للساحر التفريق بين المرء وزوجه، مع عِظم ما بينهما من الخِلْطة والائتلاف؟!
[إن سبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيَّل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظرٍ أو خُلُقٍ أو نحو ذلك، أو عَقْدٍ أو بَغْضَةٍ، أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفُرقة] (?) . ذلك أن [السحر تخييل الشيء إلى المرء بخلاف ما هو به في عَيْنه وحقيقته، فتفريق الساحر بين المرء وزوجه يكون بإحداثه السبب الذي كان منه فُرْقَةُ ما بينهما] (?) . حيث لا يرى كل منهما إلا مساوئ صاحبه، ولو كانت غير ذات بالٍ، فإن الساحر يعمل بسحره على