من جديد، ولعل ذلك هو سر إشفاق النبيِّ صلى الله عليه وسلم على أمته المكرمة بأمرهم بتكرار الاستغفار والتوبة سبعين أو مائة مرة، مع أن العبد قد لا تبلغ ذنوبه هذا الكمّ في اليوم، إلا أن وساوس شياطين الإنس والجن قد تبلغ ذلك، وقد تزيد، عياذًا بالله تعالى من شر وساوسهم. قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّة (?) ، وقال عليه الصلاة والسلام: إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ مَائِةَ مَرَّة (?) .
فإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم - وشأنه دوام ذِكر الله تعالى - يفتر عن الذكر أحيانًا، فيَعُدّ ذلك صلى الله عليه وسلم خلاف الأولى في حقه، فيشرع بالاستغفار والتوبة، فما بال أحدهم وقد علا الرّان (?) قلبَه ساعات، بل ربما أيامًا، ثم يسأل بعدها مستغربًا كيف تسلّط شيطان على قلبه؟! وكيف تلبّس به وجرى في دمه؟! وكيف صرعه مسٌّ شيطاني، أو أضرّ به سحر سُفْلي، أو عانه عائن، أو أضر به شر حاسد؟! حتى إذا استعصى علاج ذلك على الخلق عرف آنذاك أن ما أصابه كان بما كسبت يداه واشتغلت به يمناه، وبما أعرض قلبه عن ذكر مولاه، فيمّم وجهه مسارعًا إلى راقٍ يرقيه، أو صالح يدعو له، وكان الأجدر به أن يعلم ابتداءً أنْ لا ملجأ ولا منجىً من الله إلا إليه، وأن الأمر كله لله، فلو تعلق بالرقية أو بصلاح عبد يرقيه وحسب، لم ينفعه ذاك، حتى يعود إلى مولاه ويطلب رضاه، عندها ينفع التحصينُ