وقال القرطبي في تفسيره: (ذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلام يكون كفرًا: يُقتل ولا يُستتاب، ولا تُقبل توبته، لأنه أمر يَسْتَسِرُّ به كالزنديق والزاني) (?) ، واحتج أصحاب مالك بأنه لا تقبل توبته، لأن السحر باطن لا يُظهره صاحبه فلا تُعرف توبتُه كالزنديق؛ وإنما يستتاب من أظهر الكفرَ مرتدًا. قال مالك: فإن جاء الساحر أو الزنديق تائبًا قبل أن يُشهد عليهما قُبلت توبتُهما، والحجة في ذلك قوله تعالى: [غَافر: 85] {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} ، فدل على أنه كان ينفعهم إيمانهم قبل نزول العذاب، فكذلك هذان) (?) أي: الساحر والزنديق.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله، بعد أن ذكر أثر عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: (اقتلوا كل ساحر) ، قال: (ظاهره أنه يُقتل من غير استتابة، وهو المشهور عن أحمد، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، لأن الصحابة لم يستتيبوهم، ولأن علم السحر لا يزول بالتوبة) (?) . اهـ.
أما العلاّمة الشنقيطي رحمه الله فقد رجّح استتابة الساحر، وقبول توبته، وهاك قولَه (?) : (وأظهر القولين عندي في استتابته أنه يُستتاب، فإن تاب قُبلت توبته) ، ثم علل قبول توبة الزنديق (بأن الله تعالى لم يأمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالتنقيب عن قلوب الناس، بل بالاكتفاء بالظاهر، وأن ما يخفونه في سرائرهم أمره إلى الله تعالى) . وظاهر ترجيحه رحمه الله أنه مختص بالساحر فيما إذا أسرّ بسحره أو لم يُقِرّ به، والله أعلم.