الساحر الذي قتله جندب رضي الله عنه كان سِحْرُه من نحو الشعوذة والأخذ بالعيون، حتى إنه يُخيِّل إليهم أنه أبان رأسَ الرجل، والواقع بخلاف ذلك. وقول عمر رضي الله عنه: «اقتلوا كلَّ ساحر» يدل على ذلك أيضًا؛ لمجيئه بصيغة العموم.
واحتج من قال: بأنه إن كان سحره لم يبلغ به الكفر لا يقتل بحديث ابن مسعود: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلاَّ بِإِحْدى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمُفَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ» (?) ، وقالوا: إن السحر الذي لم يكفر صاحبُه ليس من الثلاث المذكورة. واحتجوا أيضًا بأن عائشة رضي الله عنها باعت مدبّرة لها سحرَتْها (?) ، ووجه الدلالة: أنه لو وجب قتلها لما حلّ بيعها.
أخي القارئ، هذا عرض بما يتسع له المقام لأقوال العلماء في حكم قتل الساحر الذي تعاطى سحرًا حقيقيًا، لكنه لا يبلغ به الكفر، أذكر بعدها ترجيحًا في ذلك للعلاّمة الشنقيطي رحمه الله، حيث قال: [والأظهر عندي أن الساحر الذي لم يبلغ به سحره الكفر، ولم يقتل إنسانًا: أنه لا يُقتل، لدلالة النصوص القطعية، والإجماع على عصمة دماء المسلمين عامة إلا بدليل واضح. وقتل الساحر الذي لم يكفر بسحره لم يثبت فيه شيء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والتجرؤ على دم مسلم من غير دليل صحيح من كتاب أو سُنَّة مرفوعة غير ظاهر عندي. والعلم عند الله تعالى. مع أن القول بقتله مطلقًا قوي جدًا لفعل الصحابة له من غير نكير] (?) . اهـ.
هذا ما رجّحه الشنقيطيُّ رحمه الله من التورع عن قتل امرئ مسلم إلا بدليل قطعيِّ الثبوت والدلالة، مع إشارته - في ختام كلامه - إلى قوة مذهب