ازداد عملهم حُسنًا وتشبّع خيرًا - بزعمهم - حيث هرعوا إلى نجدة المرضى وجلب المسروق، وإخراج الجن الصارع من بدن الممسوس، فعظم تأثر الناس بهم، وافتتانهم بهم، أقول: لو علم الناس حقيقة هؤلاء الذين يفتّون في عضد الإسلام، ويحاولون دك أركانه، وأنهم من جنس عبدة الشياطين، والمشركين والمستقسمين بالأزلام، والصابئة عبدة النجوم، وأنهم سحرة مارقون من الدين، وكهنة تتنزل عليهم الشياطين، ودجالون مشعوذون يطلبون فتات الدنيا وحطامها، لانفض كثير من الناس عنهم، فلا يُظن بمسلم أن يرضى لتعاليم الإسلام السمحة، التي أفاضت على الإنسانية قرونًا خيرًا وعلمًا وحقًا، أن تغدو ألغازًا وطلسمات وحجبًا وتعويذات، وأن يتزاحم أهل الإسلام طالبين العلاج الروحاني من أسرار الحروف، وخواص الأعداد، وقدرات الأفلاك. هذا، وإن الشريعة لم تَدَع أمر هؤلاء يخبطون في مصائر الخلق خبط عشواء، بل أكدت النصوص الكريمة كونهم من حزب الشيطان، وأنهم صائرون إلى ما يصير إليه من الخسران، فلم تفسح لهم ولو كمَفْحَص قَطاةٍ (?) في حظيرة الإيمان، أو تؤمّلهم ولو بموضع سوط في جنان الرحمن.
فواعجبًا ممن رضي بالنجم ربًا وبالسحر والكهانة دينًا، وبالاستقسام استخارة ودليلاً، ونبذ كتاب الله وراء ظهره، وأخرج هدي رسول الإسلام من قلبه قبل عقله، وحفظ الدعوات الشركية وهجر الاستجارة برب البرية، ثم هو من بعد ذلك كله قصد الضرّ بالعباد، بيد أنه نصح من تعلّم منه ألا يعمل هذا الضر إلا لمستحقه، ومِن فَرْط تقواه فقد نبّه المتعلم إلى ضرورة استحضار تقوى الله في عمل السحر، فإنه إن عمل ذلك لغير مستحقه فهو