إذا ما عرف حقيقة السحر وما ينطوي عليه من محاولة دك حصن التوحيد والنيل من أهله أدرك حرمته لا محالة، فإذا به يجد في كتاب الله تعالى وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم مصداق ما أفتاه به قلبه السليم وفطرته القويمة. تأسيسًا على ما سبق سأتعرض في هذا الفصل لبيان مسائل وأحكام متعلقة بالسحر تقررت في فروع الفقه الإسلامي، تحذر من تعاطي السحر وتُنفِّر من أهله، وسيكون ترتيب ذلك على ثلاثة أبواب؛ هي كالآتي:
الأول: السحر ثابت، وله حقيقة.
الثاني: في إظهار فروق بين السحر وكلٍّ من المعجزة والكرامة.
الثالث: في بيان أحكام السحر والسحرة.
الأول: السحر ثابت، وله حقيقة.
سبق مرارًا في ثنايا البحث (?) تقرير أن مذهب أهل السنة وجمهور العلماء أن السحر أمر ثابت الوجود، وأنه لو لم يكن موجودًا حقيقة لم ترد النواهي عنه في الشرع، والتصريح بكفر متعلمه والعامل به، وتوعُّد السحرة بحرمان نصيبهم في الآخرة، والتصريح كذلك بالاستعاذة من شر أهله، واعتباره من السبع الموبقات، وأن خلاف العلماء في كون السحر أمر له حقيقة أو هو مجرد تخييل، مردّه إلى نظرهم لمراتب السحر المنقسمة بين الحقيقة والتخييل، وأنه ليس بينهم اختلاف في نفس أمر السحر إنما ذلك من قبل اشتباه هذه المراتب. أقول: مع أن ذلك قد سبق تقريره، إلا أن الحاجة ملجئة للتذكير به، من أجل تعلقه بحكم السحر وعقوبه الساحر، [فمن زعم - وهم عامة المعتزلة وأبو إسحاق الإستراباذي من أصحاب الشافعي - أن