ثانيًا: تناسب مقطع الآية - أي: ختامها - مع لَحاقها:
إن لحاق الآية هو قوله تعالى: [البَقَرَة: 103] {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *} . فما مناسبة هذا اللحاق مع آية السحر؟
إن الله تعالى لما أخبر باجتماع المذامِّ والقبائح بيهود، حيث باعوا أنفسهم ونصيبهم في الجنة بعَرَضٍ من الدنيا قليل، فآثروا السحر على ما ينفعهم من الإيمان، وأَعْلَمَ سبحانه بأن هذا الفعل الشنيع لا يُقدِم عليه من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، أو كان له أدنى أثارةٍ من علم نافع، فكان علم يهود الذي بقي حبيس كتبهم، وصار سبيلاً لاستكبارهم وتفاخرهم، هذا العلم هو الذي أورثهم هذه الجرأة على اتباع الشياطين، فكان عدم العلم خير لهم من هذا العلم الذي أوردهم المهالك.
فلمّا بيّن سبحانه ما تسبب لهم ذلك العلم بالسحر من مضارّ لا يرضاها عاقل على نفسه أتبع ذلك ببيان ما في الإعراض عن تعلم السحر من منافع جمة، من علو منزلة الثواب ودوامه، نزلاً من عند الرحمن، مما تقصر عنه الأذهان ويعجز عن وصفه إنس أو جان، فقال تعالى: [البَقَرَة: 103] {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *} . فالله تعالى يرشد العلماء بأن لا خير في علم لا يمنع صاحبه عن مقارفة شر ولا يحدوه إلى نيل الخير (?) .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فإذا سمع أحدهم بكلمة حقٍّ كَذَب معها ألف كِذبة، فأُشْرِبَتْها قلوب