ترجمة معاني القرآن؛ لأن الترجمة لا تضاف إلا إلى الألفاظ، ولأن هذه التسمية توهم أنها ترجمة للقرآن نفسه، خصوصا إذا لا حظنا أن كل ترجمة لا تنقل إلى المعاني دون الألفاظ.
، ليكون ذلك أنفى للريب وأهدى للحق، وأظهر في أنه ترجمة تفسير لا ترجمة قرآن، ومن عرف قدر القرآن لم يبخل عليه بهذا الاحتياط، لا سيما في هذا الزمن الذي تنمّر
فيه أعداء الإسلام، وحاربونا فيه بأسلحة مسمومة من كل مكان.
، وتبين أن ترجمة القرآن نفسه بالمعنى المتعارف عليه أمر دونه خرط القتاد؛ لأن طبيعة تأليف هذا الكتاب تأبى أن يكون له نظير يحاكيه، لا من لغته ولا من غير لغته، وذلك هو معنى إعجازه البلاغي، ومن أراد أن يتصور هذا اللون من ألوان إعجازه فلينتقل هو إلى هذا الكتاب ولغته؛ فيتذوقه بها وبأساليبها، ومن المحال أن ينتقل هذا الكتاب العزيز تاركا عرشه الذي بوأه الله إياه وهو عرش اللغة العربية. وماذا يبقى للملك من عزة وسلطان إذا هو تخلى عن عرشه وملكه؟ وهذا القرآن جعله الله ملك الكلام، وتوّجه بتاج الإعجاز، واختار لغته العربية مظهرا لهذا الإعجاز والاعتزاز: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [سورة فصلت آية: 41، 42].
لترجمة القرآن بهذا المعنى فوائد كنا في غنى عن بيانها بما أشرنا إليه من أنها كالتفسير العربي الذي اتفق الجميع على جوازه بشرطه. ولكن بعض الباحثين توقفوا في جواز هذه الترجمة كما توقفوا في جواز الترجمة بالمعنى الآتي مع بعد ما بينهما، ثم تذرعوا بأنه لا فائدة ترجى منها، وأثاروا شبهات حولها. لهذا نبسط القول ببيان فوائد هذه الترجمة ثم بدفع الشبهات عنها. أما فوائدها فنشرحها فيما يأتي:
من المسلمين الأعاجم، وتيسير فهمه عليهم بهذا النوع من الترجمة ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم. ويعظم تقديرهم للقرآن، ويشتد شوقهم إليه فيهتدوا بهديه، ويغترفوا من بحره، ويستمتعوا بما حواه من نبل في المقاصد، وقوة في الدلائل وسموّ في التعاليم، ووضوح وعمق في العقائد، وطهر ورشد في العبادات، ودفع قوي إلى مكارم الأخلاق، وردع زاجر عن الرذائل والآثام، وإصلاح معجز للفرد والمجموع،