وعندي أن استدلال الحنفية هذا غير وارد أصلا فما سيق لأجله ذلك:

لأنه لا نزاع بين الحنفية ومخالفيهم أن المحدود في قذف لا تقبل شهادته قبل

أن يتوب.

والخلاف في قبولها بعد توبته. فرد الشهادة إذا حكم ذو طرفين:

الطرف الأول: الحكم برد شهادة القاذف قبل توبته وهذا حاصل عند الجميع بالإجماع وسواء قلنا أن موجبه القذف كما يقوله الحنفية. أو قلنا: موجبه الفسق بالقذف كما يقوله الجمهور.

الطرف الثاني: الحكم برد شهادة القاذف إذا تاب وهو محل النزاع بين الحنفية والجمهور.

هل يستمر الرد ولو تاب كما يقوله الحنفية. أم تقبل إذا تاب كما يقوله الجمهور.

وهذه هي صورة النزاع التي من أجلها يورد كل من الطرفين لها الاستدلال.

فتبين إذا أن الاستدلال المذكور من الحنفية غير وارد أصلاً في صورة النزاع

إذ الخلاف في الغاية لا في أصل الحكم برد شهادة القاذف؟

فلمن ينصر مذهب الجمهور أن يتنزل على استدلال الحنفية فيقول: نوافقكم

أن رد الشهادة من تمام الحد. لكنه رد معلق بالتوبة لا مؤبد والله أعلم.

تعقب القياس في هذا الاستدلال:

أما قياس الحنفية، عقوبة رد شهادة القاذف على عقوبته بالجلد فكما لا تسقط عقوبة الجلد بالتوبة فكذلك عقوبته برد الشهادة.

فهذا القياس يرد عليه القادح بافتراق العلة فإن العلة في (الحد بالجلد) هي (القذف) ذاته فالقذف هو العلة الموجبة للحد. أما العلة في إيجاب (عدم قبول شهادته) فهي مترددة بين القذف أو الفسق بالقذف فلا يتم الاستدلال بهذا القياس إذا والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015