الإفك بأوجز عبارة وأشنعها، لاشتماله على الوعيد الشديد والعتاب البليغ، والزجر
العنيف واستعظام القول في ذلك واستشناعه بطرق مختلفة، وأساليب متنوعة، كل واحد منها كاف في بابه بل ما وقع منها من وعيد عبدة الأوثان إلا بما هو دون ذلك وما ذاك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير من هو منه بسبيل) .
هذا طرف من حكمة التشريع الموجبة للتفريق بين الرمي بالزنى والرمي بالكفر بالحد بالأول دون الثاني.
ونحن إذا وازنا بين اللفظين لا نجد تلك المعاني والأسرار التشريعية تتوفر في الرمي بالكفر وذلك للمعاني التي ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى ومدارها: على وجود القدرة من المرمى بالكفر بتكذيب ما رمى به من الكفر من وجود شاهد الحال بقيامه بشعائر الإسلام الظاهرة كالصلوات الخمس المفروضات ونحوها واطلاع المسلمين على ذلك وظنونهم غير متشعبة ولا مختلفة وهذا كاف في تكذيب قول القاذف وإظهار زيفه فالقاذف غيره بالكفر إذا كاذب والمقذوف بريء بطبيعة الحال، فلا حاجة إذاً إلى تقرير عقوبة مقدرة عليه لتكذيبه وإظهار براءة المقذوف بالكفر وهذا بخلاف المقذوف بالزنا فلا تبرز هذه المعاني إلا تقرير عقوبة مقدرة فكان ذلك بجلد القاذف المعتدي على أعراض المسلمين ثمانين جلدة مقرراً في دين الله وشرعه بنص واضح جلي محكم.
على أن هذا لا يعفي قاذف غيره بالكفر من عقوبة تعزيرية فإن الشريعة أمسكت بلسان السليط ورمت به في مكان بعيد عن الفحش والبذاء والتطاول على
قيم الناس ومعنوياتهم ومقومات حياتهم فطفحت نصوص الكتاب والسنة بصيانة هذا الثغر وحراسته من أن ينطق بفحش أو يفري في عرض (?) . ولهذا قرر العلماء في مدوناتهم الفقهية تعزير من قذف مسلماً بغير الزنا في (باب التعزير) (?) والله أعلم.