ثم إن في حد السرقة معنى آخر، وهو أن السرقة إنما تقع من فاعلها سراً كما يقتضيه اسمها، ولهذا يقولون (فلان ينظر إلى فلان مسارقة) إذا كان ينظر إليه نظراً خفياً لا يريد أن يفطن له، والعازم على السرقة كاتم مختف خائف أن يشعر بمكانه فيؤخذ به، ثم هو مستعد للهرب والخلاص بنفسه إذا أخذ الشيء ... وأما الزاني: فإنه يزني بجميع بدنه، والتلذذ بقضاء شهوته يعم البدن، والغالب

من فعله وقوعه برضاء المزني بها، فهو غير خائف ما يخافه السارق من الطلب، فعوقب بما يعم بدنه من الجلد مرة والقتل بالحجارة مرة.

ولما كان الزنى من أمهات الجرائم وكبائر المعاصي لما فيه من اختلاط الأنساب

الذي يبطل معه التعارف والتناصر على إحياء الدين، وفي هذا إهلاك الحرث والنسل، فشاكل معانيه أو في أكثرها القتل الذي فيه هلاك ذلك، فزجر عنه بالقصاص ليرتاع عن مثل فعله من يهم به، فيعود ذلك بعمارة الدنيا وصلاح العالم

الموصل إلى إقامة العبادات الموصلة إلى نعيم الآخرة.

ثم إن للزاني. حالتين:

إحداهما: أن يكون محصناً قد تزوج، فعلم ما يقع به من العفاف عن الفروج المحرمة، واستغنى به عنها، وأحرز نفسه عن التعرض لحد الزنى، فزال عذره من

جميع الوجوه في تخطي ذلك إلى مواقعة الحرام.

والثانية: أن يكون بكراً، لم يعلم ما علمه المحصن ولا عمل ما عمله فحصل له

من العذر بعض ما أوجب له التخفيف، فحقن دمه، وزجر بإيلام جميع بدنه بأعلى

أنواع الجلد ردعاً عن المعاودة للاستمتاع بالحرام وعوناً له إلى القناعة بما رزقه

الله من الحلال.

وهذا في غاية الحكمة والمصلحة، جامع للتخفيف في موضعه، والتغليظ في موضعه، وأين هذا من قطع لسان الشاتم والقاذف وما فيه من الإسراف والعدوان؟.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015