وتعسف إلى أمثال هذا الطيش وتلك القلاقل والبداءات بغياً من أنفسهم للصد عن دين الله وشرعه وتحكيمه في أموال الناس وأعراضهم وسائر أحوال مدنيتهم.
وإن ابن القيم رحمه الله تعالى قد أبان من حكمة التشريع وأسراره لهذه العقوبات ما أماط اللثام وأزهق الباطل، ليحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة. وقد نظرت في مباحث حكمة التشريع عند جماعة من أهل العلم فلم أر عالماً يفري فريه قد ضرب من الحق بعطن أمثال هذا الإمام: في مباحثه العزيزة وتحقيقاته المنيفة.
فكأنما أعطى رحمه الله تعالى نسخة من إيراداتهم، فكر عليها بالنقض حتى أصبحت في حساب الوساوس والأحلام الرديئة.
ومن المعلوم أن تقرير ذلك من أهل العلم لم يكن الا رداً للباطل وزيادة في تثبيت الإيمان، وإلا فمقتضى الإيمان وموجب الإسلام: التسليم لأوامر الله ونواهيه سواء علمنا حكمة التشريع أم لا.
هذه جملة من الأسباب التي دفعتني الى اختيار "الحدود والتعزيرات عند ابن قيم الجوزية" موضوعاً للرسالة. وأرجو أن تكون أسباباً مقنعة للتدليل على سلامة الاختيار وأحقيته عند أنصار ابن القيم وخصومه على السواء
تسمية الرسالة:
ولما كانت تسمية الكتاب أو الرسالة من المتعين على أهل الإسلام أن يراعوا
في ذلك الأصالة في اللسانين: لسان الشريعة المطهرة، واللغة العربية الكرمة كالشأن في سائر محرراتهم وألفاظهم.
ولما كانت تسمية الرسالة ينبغي أن توحي بموضوعها وفلكة مغزلها الذي تدور عليه حتى تكون التسمية كالإطار العام للرسالة.