وما يوجب النظر، واجتناب العدول عنه باستحسان دون دليل يقتضي ذلك الاستحسان.
والوجه الثاني: الاستحسان في حكم دون حكم. وهو أن يحكم في مسألة بما يوجب القياس، ويستحسن في مثلها على غير ذلك المحكوم عليه غير ذلك الحكم لمعنى يظهر له في المحكوم له والمحكوم عليه (?).
والصواب ما بني المذهب عليه من إتباع القياس على مقتضاه وما توجبه أحكام الشرع، وأن لا يُترك شيء من ذلك. فإن القياس منه الصحيح ومنه الفاسد، فإذا لم يمنع من الأخذ به مانع، فهو القياس الصحيح، والأخذ به واجب، ولا يحل استحسانُ تَرْكِه والأخذ بغيره. وإذا منع من الأخذ به مانع من نص كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس هو أولى منه، فإنه قياس فاسد وتركه واجب. وهذا مقتضى القياس. فمن سمى هذا استحسانًا فقد خالف في التسمية دون المعنى.
فإذا قلنا إن الاستحسان ترك القياس المتعدي لعلة واقفة أو خاصة، فحده الأخذ بأقوى الدليلين، على حسب ما قاله ابن خويز منداد.
وإذا قلنا إنه ترك مقتضى القياس، فحده بما تقدم من أنه اختيار القول من غير دليل ولا تقليد. ومعنى ما يكثر منه مخالفة القياس في موضع مع التزامه والعمل به في غيره. وأكثر مشايخنا على أن هذا مما لا يصح التعلق به. وبه قال الشافعي رضي اللَّه عنه:
وذهب إلى الأخذ به من تقدم ذكره من أصحابنا. وبه قال أبو حنيفة رحمه اللَّه وأصحابه، غير أنهم قد تركوا استعماله في المناظرة في زماننا هذا.
الذرائع: ما يتوصل به إلى محظور العقود من إبرام عقد أو حله.
وذلك مثل أن يريد المكلف بيع دينار بدينارين، فيعلم أنه لا يجوز، فيبيع ديناره بعشرة دراهم، ثم يبيع العشرة الدراهم من بائعها منه بدينارين.
فالظاهر أنه لا غرض له في ذلك إلا ليتوصل بالعقدين إلى بيع دينار بدينارين. لا سيما إن اقترن ذلك بأن يرد إليه الدراهم في المجلس أو بالقرب أو غير ذلك من المعاني التي تذكر أن المراد بها بيع دينار بدينارين.