فكانت هذه المعاني أصولًا للأحكام الشرعية، لأنه لا طريق إلى استنباطها ومعرفة صحيحها من سقيمها إلا بعد المعرفة لما وصفنا بأنه أصل لها.
والدليل: هو الدلالة على البرهان. وهو الحجة والسلطان.
والدليل في الحقيقة هو فعل الدال، ولذلك يقال: استدل بأثر اللصوص عليهم، وإن كان اللصوص لم يقصدوا الدلالة على أنفسهم.
ومن أصحابنا من قال: إن الدليل إنما يستعمل فيما يؤدي إلى العلم. وأما ما يؤدي إلى غلبة الظن فهو أمارة.
وهذا تنويعٌ قُصِدَ به المبالغة، فلم يوصل إلى الحقيقة، لا سيما على قول القاضي أبي بكر "أن كل مجتهد مصيب" لأن المستدل بالدليل المؤدي إلى غلبة الظن قد توصل به إلى العلم والقطع. لأن القياس والمستدل بخبر الآحاد إذا عمل به فقد علم أنه عمل ما أمره به ربه وافترضه عليه، لأن الذي كُلِّف هو الاجتهاد في بلوغ غلبة الظن، وهو متيقن وجود ذلك منه.
وكذلك على قول شيوخنا "إن الحق في واحد" فإن الفرض إنما يتعلق بالاجتهاد إلى غلبة الظن، فإذا وُجِدَ ذلك منه، فقد عُلم قطعا وقوع ذلك منه وأداؤه لفرضه. ولو قلب هذا القول على مقسمه لما كان له طريق إلى إثبات ما اختار منه.
وحدّ الدليل: ما صح أن يرشد إلى المطلوب الغائب عن الحواس (?).
[ومعنى ذلك أن الدليل الذي يصح أن يستدل به ويسترشد ويتوصل به إلى المطلوب، وإن لم يكن استدلالٌ، ولا توَصَّلَ به أحد. ولو كان الباري جل وعلا خلق جمادًا ولم يخلق من يستدل به على أن له محدثًا لكان دليلًا على ذلك، وإن لم يستدل به أحد. فالدليل دليل لنفسه: وإن لم يُستدل به.
فلو قلنا: "إن الدليل ما أرشد إلى المطلوب" لخرج الدليل الذي لم يَسْتَدلَ به أحد عن أن يكون دليلًا محدودًا بذلك الحد.
وقد ذكر القاضي أبو بكر في بعض مصنفاته أن الدليل "هو المرشد إلى المطلوب على وجه التجوز". واللَّه أعلم].
والدال: هو الناصب للدليل.