ومما يدل على مفارقة الصفة للبدل (?)، أنّك تصف بما لا يجوز فيه البدل، نحو الفعل والفاعل والابتداء والخبر، نحو:
مررت برجل قام أخوه، وبرجل أبوه منطلق. ولو جعلت شيئا من ذلك بدلا لم يجز، من حيث لا يستقيم تكرير العامل، وجاز الوصف به، من حيث كان مشابها للوصل، فلم يكن في تقدير تكرير العامل.
فمن جعل (غَيْرِ) في الآية بدلا كان تأويله بيّنا، وذلك أنّه لا يخلو من أن يجعل غيرا معرفة أو نكرة، فإن جعله معرفة فبدل المعرفة من المعرفة سائغ مستقيم، كقوله: اهْدِنَا
الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
[الفاتحة/ 6] وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران/ 97]، وإن جعله نكرة فبدل النكرة من المعرفة في الجواز كذلك، كقوله: بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ [العلق/ 15 - 16].
فإن قلت: إن النكرة التي هي بدل في الآية على لفظ المعرفة الذي أبدل منه. وليس (غَيْرِ) على لفظ الموصول المبدل منه، فهلا امتنع البدل لذلك، كما امتنع عند قوم له؟
قيل: إذا جاز بدل النكرة من المعرفة فيما كان على لفظ الأول، فلا فصل بين ما وافق الأول في لفظه وبين ما خالفه، لاجتماع الضربين في التنكير. ويدل على جواز ذلك قوله:
إنّا وجدنا بني جلّان كلّهم ... كساعد الضّبّ لا طول ولا قصر