قَالَ: وجماع هَذَا الْبَاب أَن يعلم أَن الله تَعَالَى طوى عَن الْعَالم علم مَا قَضَاهُ وَقدره على عباده، فَلم يطلع عَلَيْهِ نَبيا مُرْسلا، وَلَا ملكا مقرباً، لِأَنَّهُ خلقهمْ ليتعبدهم، ويمتحنهم. قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} . وَقد نقلنا عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ -: أَنه خلقهمْ ليأمرهم بِالْعبَادَة.

فَلَو كشف لَهُم عَن سر مَا قضى وَقدر لَهُم وَعَلَيْهِم فِي عواقب أُمُورهم لافتتنوا، وفتروا عَن الْعَمَل، واتكلوا على مصير الْأَمر فِي الْعَاقِبَة فَيكون قصاراهم عِنْد ذَلِك أَمن أَو قنوط. وَفِي ذَلِك بطلَان الْعِبَادَة وَسُقُوط الْخَوْف والرجاء. فلطف الله سُبْحَانَهُ بعباده وحجب عَنْهُم علم الْقَضَاء وَالْقدر، وعلقهم بَين الْخَوْف والرجاء، والطمع والوجل: ليبلو سَعْيهمْ واجتهادهم، وليميز الله الْخَبيث من الطّيب. وَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015