أحبّ أن أذكّر الأستاذ النّاقد بما ذكره أستاذنا المحقق عبد السلام هارون حيث قال ما نصه في كتابه المبتكر «تحقيق النصوص ونشرها»: «وتعد الاعتبارات التاريخية من أقوى المقاييس في تصحيح نسبة الكتاب أو تزييفها، فالكتاب الذي تحشد فيه أخبار تاريخية تالية لعصر مؤلفه الذي نسب إليه جدير بأن يسقط من حساب ذلك المؤلف. ومن أمثلة ذلك كتاب نسب إلى الجاحظ وعنوانه «كتاب تنبيه الملوك والمكايد» ومنه صورة مودعة بدار الكتب المصرية برقم 2345 (أدب) وهذا الكتاب زيف لا ريب في ذلك، فإنك تجد من أبوابه باب «نكت من مكايد كافور الإخشيدي» و «مكيدة توزون بالمتقي لله»، وكافور الإخشيدي كان يحيا بين سنتي 292، 357، والمتقي لله كان يحيا بين سنتي 297 و 357، فهذا كله تاريخ بعد وفاة الجاحظ بعشرات من السنين «1» ومن الأمثلة على ذلك أيضا ما ذكرته في كتابي «القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية» أن كتاب إعراب القرآن للزجاج المخطوط بدار الكتب المصرية رقم 528 تفسير ليس للزجاج بأدلة ذكرتها، منها: ورود عبارة في هذا الكتاب وقفت عندها طويلا وهي قوله في باب التقديم والتأخير: «وقد تصالح الأستاذ والغلام على أن الظرف يعمل فيه الوهم ورائحة الفعل». وذهبت أبحث من الأستاذ؟ ومن الغلام؟ لأنه إذا تمّ التعرف عليهما أو على أحد منهما، وتبين أنهما عاشا في عصر متأخر عن عصر الزجاج أمكن أن يكون ذلك دليلا يؤكد أن كتاب إعراب القرآن هذا ليس للزجاج.
أقول: بعد بحث طويل وجدت في تاريخ الأدب العربي «لبروكلمان» ما نصه:
«وكان أوفى تلاميذ ثعلب له، وأقربهم إليه أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد المطرز الورّاق البارودي، ومن ثم سمي غلام ثعلب، وتوفي غلام ثعلب ببغداد سنة 345 هـ» «2» على أنّ الزجاج المنسوب إليه هذا الكتاب توفي عام 311 هـ «3» ولعلّ في هذا القدر الكافي لإقناع الأخ الناقد.
(7) وأما الدليل السابع من أدلة النقد، فإنه ينصبّ على قولي: «ومن الأدلة تقارب بعض النصوص في مؤلفات ابن خالويه الأخرى مع بعض نصوص الحجة، وقلت: إنني لا أبالغ في أن هناك نصوصا بأساليبها وكلماتها في هذه المؤلفات هي بعينها في كتاب الحجة».