أقول لأخي الناقد:
لا أحب أن أكرّر ما قلت في شأن كتب الطبقات فليس أصحابها معصومين من النسيان، وليست هذه الكتب بمأمن من الخطأ، ولا أدل على ذلك من هذا التراث الضخم الذي حوته فهارس مكتباتنا في الشرق والغرب، ولا تجد للكثير منه ذكرا في كتب الطبقات المعروفة.
ألم أقل في بحثي لإنتاج ابن خالويه العلميّ: إنني استطعت أن أنسب إلى ابن خالويه كتبا لم تضمها كتب الطبقات؟ وعددت من هذه الكتب عشرة كتب أذكر منها: كتاب الريح. وكتاب أسماء الله الحسنى، وكتاب الهاذور، وشرح ديوان أبي فراس الحمداني ..
أتسقط هذه الكتب لأنها لا توجد في البغية، أو في أنباء الرواة، أو في معجم الأدباء ... الخ؟
لو فعلنا ذلك لأجهزنا على تراثنا بأيدينا من حيث لا نشعر.
ولا أسلم أيضا للناقد الفاضل بأن ابن خالويه لم يشر إليه في تضاعيف كتبه، لأن ابن خالويه قد أشار إليه، أشار إليه في كتابه «إعراب ثلاثين سورة» عند تعرضه للقراءات في قوله تعالى: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ قال: «أجمع العلماء على كسر الهاء في التثنية إذا قلت: عليهما، قال الله عز وجل: يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا (?) إلا يعقوب الحضرمي فإنه ضم الهاء في التثنية كما ضمّها في الجمع، وقد ذكرت علة ذلك في كتاب «القراءات». (?) وهذا التّعليل تجده في الحجة (?). وأمّا عدم ذكره باسم الحجة فقد بينت السّرّ في ذلك، وأن هذه التسمية جاءت متأخرة عن عصر ابن خالويه.
إن ابن خالويه حينما يقول: ذكرت علة ذلك في كتاب «القراءات» أليست هذه إشارة واضحة إلى أنّ المعنيّ بذلك هو كتاب الحجة؟ وما مدلول قوله: «علة ذلك»؟
أليست العلة هي التوجيه النحوي أو اللغوي؟ وما التوجيه النحوي أو اللغوي إلا الاحتجاج، وما الاحتجاج إلا ذكر الحجة، والحجّة تتكرر في كل قراءة يعرضها.
إنّ الذي يعنيني يا سيدي أوّلا وأخيرا هو المضمون لا الشكل، والجوهر لا العرض، والمعنى لا اللفظ، وهذا كله يشير إلى أن كتاب القراءات الذي أشار إليه ابن خالويه هو في الاحتجاج، وبذلك لا نسلم للناقد الفاضل قوله: إنه لم يشر إليه في تضاعيف كتبه.