النبيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
تقدَّم الكلامُ على معنى الحجابِ في القرآنِ، وفي استعمالِ السَّلَفِ، ولا خلافَ عندَهم أنَّ المرادَ بالحجابِ في الآيةِ هو الفاصِلُ بين شيئَيْنِ مِن جدارٍ أو خشَبٍ أو سِتَارةٍ أو غيرِها، ومِن ذلك قولُه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]، وليس المرادُ بالآيةِ: اللباسَ الذي تَلْبَسُهُ النساءُ.
وهذا الاصطلاحُ استعمَلَه الفقهاءُ المتأخِّرُون حتى شاعَ، حتى فسَّرَ بعضُهم القرآنَ باصطلاحِ الفقهاءِ، وجعلَ الحجابَ -وهو اللباسُ الساتِرُ- جلباباً وخماراً خاصّاً بأمهاتِ المؤمِيين! فابتدَعَ شيئاً لم يَقُلْ به أحدٌ مِن السَّلَفِ؛ إذْ إنَّهم يفرِّقُون بين حَجْبِ الشخوصِ، وسترِ الأبدانِ بثيابٍ؛ فاللهُ نهى المؤمِنِين عنِ النظَرِ إلى أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولو كُنَّ متستِّراتٍ لا تُرَى أظفارُهُنَّ، وأمَرَهُنَّ وأمرَهُم عندَ المحادَثَةِ أن يكونَ مِن وراءِ حائطٍ أو سِتَارٍ، حتى إنَّهن إنْ رَكِبْنَ الإبلِ وُضِعْنَ في هَوْدَجٍ، ثم حُمِلْن عليها.
وإنَّما شدَّدَ اللهُ على نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تعظيماً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبقيَّةُ النساءِ يدخُلْنَ في هذا الحكمِ، لكنْ حكمُهُنَّ أخَفُّ؛