وكان تحريمُها جملةً شاقّاً على نفوسٍ حديثةِ عهدٍ بجاهليةٍ وضلالٍ؛ كطوافٍ للعُرَاةِ حولَ الكعبةِ، وشِعْرٍ فاحشٍ، وغَزَلٍ ماجِنٍ، وتساهُلٍ بزنى الإماءِ والتكسُّبِ منهنَّ: تدرَّجَتِ الأحكامُ بتحريمِ الغايةِ أولاً، وهي الزنى، قبلَ وسائِلِها الكثيرةِ؛ جذباً للنفوسِ، وتأليفاً لها، فلما حرَّم اللهُ الزنى، وشدَّد في أمرِه، وقوَّم الفِطَرَ المنحرِفةَ بجاهليةٍ سابقةٍ، ناسَبَ فحرَّم وسائلَ الزنى، بحسبِ ما يجتمِعُ فيها مِن قوَّةٍ، وسرعةٍ، وقُرْبٍ مِن فاحشةِ الزنى، ومِن هذه الوسائلِ شريعةُ الحجابِ للمرأةِ وجلبابِها وخمارِها، فشَرَعَه اللهُ في السَّنَةِ الخامسةِ، وقيلَ: قريباً منها.

وقد جاء في ذكرِ أحوالِ النساءِ أحاديثُ كثيرةٌ؛ في حجابِهِنَّ، ولباسِهِنَّ، وخروجِهِنَّ قبلَ فرضِ الحجابِ، ومَن لم يَعْرِفْ تواريخَ الحوادثِ والنوازلِ، اضطربتْ عليه الأدلَّةُ؛ خاصَّةً إنْ كان في النفوسِ هَوىً، تشبَّثَتْ بأدنَى دليلٍ لا تعرِفُ إحكامَه ونَسْخَه، ويستطيعُ كلُّ واحدٍ أنْ يأخُذَ بنصوصِ الوحيَيْنِ المنسوخةِ، فيحتجَّ بها على ما يَهْوَى، حتى في أركانِ الإسلامِ، فإنَّ الصحابةَ كانوا يصلُّون ركعتَيْنِ ركعتَيْنِ، ولم تُفْرَضْ أكثرَ مِن ذلك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015