حَقِيقَةُ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ عِلْمُ الْيَقِينِ وَعَيْنُ الْيَقِينِ. قَالَ الجنيد: حَقُّ الْيَقِينِ مَا يَتَحَقَّقُ الْعَبْدُ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يُشَاهِدَ الْغُيُوبَ كَمَا يُشَاهِدُ الْمَرْئِيَّاتِ مُشَاهَدَةَ عِيَانٍ، وَيَحْكُمُ فِي الْغَيْبِ فَيُخْبِرُ عَنْهُ بِالصِّدْقِ، كَمَا أَخْبَرَ الصِّدِّيقُ حِينَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَاذَا أَبْقَيْتَ لِعِيَالِكَ؟ قَالَ: اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عِلْمُ الْيَقِينِ حَالُ الْمَعْرِفَةِ، وَعَيْنُ الْيَقِينِ حَالُ الْجَمْعِ، وَحَقُّ الْيَقِينِ جَمْعُ الْجَمْعِ بِلِسَانِ التَّوْحِيدِ. وَقِيلَ: الْيَقِينُ اسْمٌ وَرَسْمٌ وَعِلْمٌ وَعَيْنٌ وَحَقٌّ ; فَالِاسْمُ وَالرَّسْمُ لِلْعَوَامِّ، وَالْعِلْمُ عِلْمُ الْيَقِينِ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَعَيْنُ الْيَقِينِ لِخَوَاصِّ الْأَوْلِيَاءِ، وَحَقُّ الْيَقِينِ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَحَقِيقَةُ حَقِّ الْيَقِينِ اخْتُصَّ بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ ": عِلْمُ الْيَقِينِ هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَعَيْنُ الْيَقِينِ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ، وَحَقُّ الْيَقِينِ يَكُونُ بِالْمُعَايَنَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ، قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُفَّارِ: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر: 7] وَلَمَّا دَخَلُوهَا وَبَاشَرُوا عَذَابَهَا قَالَ تَعَالَى: {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ - وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ - إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} [الواقعة: 93 - 95] وَقَالَ سَيِّدِي محمد السعودي مِنْ أَصْحَابِ سَيِّدِي يوسف العجمي: عِلْمُ الْيَقِينِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ بِكَ ; إِذْ أَنْتَ عَيْنُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَهُوَ إِثْبَاتُ ذَاتٍ غَيْرِ مُكَيَّفَةٍ وَلَا مَعْلُومَةِ الْمَاهِيَّةِ مَحْكُومًا لَهَا بِالْأُلُوهِيَّةِ سُلْطَانًا، وَحُجَّةً لَا رَيْبَ فِيهِ، عَيْنُ الْيَقِينِ مُشَاهَدَةُ هَذِهِ الذَّاتِ بِعَيْنِهَا لَا بِعَيْنِكَ، أَيْ بِعَيْنِ الذَّاتِ فَنَاءً كُلِّيًّا لَا يُعْقَلُ مَعَهَا نِسْبَةُ الْأُلُوهِيَّةِ إِثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا، بَلْ مُشَاهَدَةٌ تُفْنِي الْأَحْكَامَ وَالرُّسُومَ وَتَمْحَقُ الْآثَارَ - حَقُّ الْيَقِينِ نِسْبَةُ الْأُلُوهِيَّةِ إِلَى هَذِهِ الذَّاتِ بَعْدَ الْمُشَاهَدَةِ لَا قَبْلَهَا، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْحَقِّ لَيْسَ إِلَّا، وَهُنَا سَكَتَ الْمُحَقِّقُونَ- وَبَعْدُ هَذِهِ حَقِيقَةُ حَقِّ الْيَقِينِ، وَهُوَ ظُهُورُ الِانْفِعَالَاتِ عَنِ الْعَبْدِ مَعَ غَيْبَتِهِ عَنْهَا فِيهِ غَيْبًا كُلِّيًّا وَفَنَاءً مُحَقَّقًا، وَهَذِهِ غَايَةُ الْمَرَاتِبِ، فَالثَّلَاثَةُ كِتَابِيَّةٌ ; عِلْمٌ، وَعَيْنٌ، وَحَقٌّ. وَالرَّابِعَةُ سُنِّيَّةٌ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟» " فَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ بِهَا يَخْتَبِرُ الْعَبْدُ الْمُتَحَقِّقُ نَفْسَهُ فِي دَعْوَاهُ فِي مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ حَقِّ الْيَقِينِ فَتَأَمَّلْهُ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ، وَأَحَادِيثُ تَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْإِسْرَارِ بِهِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ. قَالَ سَيِّدِي يوسف العجمي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدِ اعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى