يَعِيشَ عَيْشَ الْفُقَرَاءِ أَوْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِمَا فَضَلَ مِنْ عَيْشِهِ مُقَدِّمًا لِأَفْضَلِ الْبَذْلِ، فَأَفْضَلُهُ إِلَّا الشُّذُوذُ النَّادِرُونَ الَّذِينَ لَا يَكَادُونَ يُوجَدُونَ، وَالصَّابِرُونَ عَلَى الْفَقْرِ قَلِيلٌ مَا هُمْ، وَالرَّاضُونَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ الْقَلِيلِ. هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ عز الدين، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي حَدِيثِ: " «ذَهَبَ ذَوُو الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى» " -: فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضَّلَ الْغِنَى نَصًّا لَا تَأْوِيلًا إِذَا اسْتَوَتْ أَعْمَالُ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا، فَلِلْغَنِيِّ حِينَئِذٍ فَضْلُ عَمَلِ الْبِرِّ مِنَ الصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا سَبِيلَ لِلْفَقِيرِ إِلَيْهِ. وَقَالَ ابن دقيق العيد: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْقَرِيبُ مِنَ النَّصِّ أَنَّهُ فَضَّلَ الْغَنِيَّ، وَبَعْضُ النَّاسِ تَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلٍ مُسْتَكْرَهٍ، قَالَ: وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّهُمَا إِنْ تُسَاوَيَا وَفُضِّلَتِ الْعِبَادَةُ الْمَالِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْغَنِيُّ أَفْضَلَ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ إِذَا تَسَاوَيَا وَانْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَصْلَحَةِ مَا هُوَ فِيهِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ إِنْ فُسِّرَ الْأَفْضَلُ بِزِيَادَةِ الثَّوَابِ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَصَالِحَ الْمُتَعَدِّيَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَاصِرَةِ، فَيَتَرَجَّحُ الْغِنَى، وَإِنْ فُسِّرَ بِالْأَشْرَفِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صِفَاتِ النَّفْسِ فَالَّذِي يَحْصُلُ لَهَا مِنَ التَّطْهِيرِ بِسَبَبِ الْفَقْرِ أَشْرَفُ، فَيَتَرَجَّحُ الْفَقْرُ، وَمِنْ ثَمَّ ذَهَبَ جُمْهُورُ الصُّوفِيَّةِ إِلَى تَرْجِيحِ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ، وَقَالَ القرطبي: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْعُلَمَاءِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، ثَالِثُهَا: الْأَفْضَلُ الْكَفَافُ. رَابِعُهَا: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ. خَامِسُهَا: التَّوَقُّفُ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: فَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ قَالَ النيسابوري: قَالَ بَعْضُهُمْ: خَلَقَ اللَّهُ أَوَّلًا زُمُرُّدَةً خَضْرَاءَ، وَيُقَالُ: اللَّوْحَ وَالْقَلَمَ، وَيُقَالُ: الْوَقْتَ وَالزَّمَانَ، وَيُقَالُ: الْعَرْشَ وَالْكُرْسِيَّ، وَيُقَالُ: خَلَقَ أَوَّلًا عَاقِلًا أَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِعَقْلِهِ غَيْرُهُ، وَيُقَالَ: خَلَقَ جَوْهَرًا مُتَفَرِّقًا مِنَ الْأَلْوَانِ وَالْأَطْبَاعِ وَالْهَيْئَاتِ، ثُمَّ خَلَقَ الْهَيْئَاتِ فَرَكَّبَهَا بَيْنَ الْأَطْبَاعِ وَالْأَلْوَانِ، وَصَارَتْ بَسِيطَةً مُؤَلَّفَةً مَطْبُوعَةً، وَيُقَالُ خَلَقَ أَوَّلًا نُقْطَةً ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا بِالْهَيْبَةِ، فَتَضَعْضَعَتْ وَتَمَايَلَتْ، فَصَيَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَلْفًا.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ كَتَبَ: أَنَا التَّوَّابُ، أَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: فَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي إِدْخَالِ الْمُؤْمِنِينَ النَّارَ لِيَعْرِفُوا قَدْرَ الْجَنَّةِ وَمِقْدَارَ مَا دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ عَظِيمِ النِّقْمَةِ ; لِأَنَّ تَعْظِيمَ النِّعْمَةِ وَاجِبٌ فِي الْحِكْمَةِ. وَقِيلَ: لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ دَلِيلًا لِلْكَافِرِينَ كَمَا أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ دَلِيلًا لِفِرْعَوْنَ فِي الْبَحْرِ ; لِأَنَّ عُبَّادَ الصَّنَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُؤْمَرُونَ بِدُخُولِ النَّارِ مَعَ أَصْنَامِهِمْ، فَيَأْبَوْنَ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: