وَمُودِعٌ سِرَّهُ عِنْدِي وَيَحْذَرُ أَنْ ... أُبْدِيهِ مِنِّي إِلَى أَنْ يَنْفَدَ الْعُمْرُ
هَلْ دُخُولُ " إِلَى " فِي هَذَا الْبَيْتِ مُمْتَنِعٌ؟ وَإِذَا لَمْ يَمْتَنِعْ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْبَيْتُ شَاهِدًا عَلَى تَقْدِيرِ " إِلَى " فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ؟
الْجَوَابُ: الْبَيْتُ الْأَوَّلُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ " إِلَى " عَلَى بُعْدٍ، لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنْ لَا تُقَدَّرَ فِيهِ ; لِأَنَّ " أَنْ يَنْفَدَ " فِي مَحَلِّ مَفْعُولِ " يَخَافُ "، فَمَتَى قُدِّرَ فِيهِ " إِلَى " لَزِمَ كَوْنُهُ " يَخَافُ " بِلَا مَفْعُولٍ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى رَكِيكًا ; وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ إِلَى الَّتِي هِيَ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ " مِنْ " الَّتِي هِيَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالْبَيْتُ خَالٍ مِنْهَا، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ رَكِيكًا، فَلَمَّا اجْتَمَعَ فِي تَقْدِيرِهَا رَكَاكَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَجَبَ الْعُدُولُ عَنْهُ. وَأَمَّا الْبَيْتُ الثَّانِي فَمَفْعُولُ " يَحْذَرُ " مَوْجُودٌ، وَهُوَ أَنَّ وَصِلَتُهَا، وَابْتِدَاءُ الْغَايَةِ مَوْجُودٌ، وَهُوَ " مَتَى "، فَجَازَ أَنْ يُقَابَلَ بِ " إِلَى "، وَكُلُّ بَيْتٍ لَهُ مَعْنًى يَخُصُّهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَذَكَّرْتُ قَاعِدَةً فِي الْعَرَبِيَّةِ تَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ " إِلَى " فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ; وَذَلِكَ أَنَّ النُّحَاةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ إِنَّ وَأَنَّ الْمَصْدَرِيَّتَيْنِ لَا يُحْذَفُ مَعَهُمَا مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ إِلَّا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ السَّابِقُ ; لِكَوْنِهِ يُعَدَّى بِذَلِكَ الْحَرْفِ، فَيُقَالُ مَثَلًا: عَجِبْتُ أَنْ تَقُومَ، فَيُقَدَّرُ " مِنْ " لِأَنَّ عَجِبْتُ يَتَعَدَّى بِمِنْ. وَفَرِحْتُ أَنْ تَقُومَ، فَتُقَدَّرُ الْبَاءُ ; لِأَنَّ " فَرِحَ " يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ. وَرَغِبْتُ أَنْ تَجِيءَ، فَيُقَدَّرُ " فِي " ; لِأَنَّ " رَغِبْتُ " يَتَعَدَّى بِفِي. وَهَذَا الْبَيْتُ فِيهِ مِنَ الْأَفْعَالِ " يَخَافُ " وَهُوَ إِنَّمَا يَتَعَدَّى بِمِنْ لَا بِإِلَى، " وَمِنِ " الْمُعَدِّيَةُ لَهُ مَوْجُودَةٌ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ " إِلَى " فِيمَا بَعْدَهُ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ نَفِيسَةٌ يَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ.
مَسْأَلَةٌ:
يَا عَالِمًا فَاقَ أَهْلَ الْعَصْرِ وَالْأَثَرِ ... وَزَانَ أَهْلَ النُّهَى فِي الْخِبْرِ وَالْخَبَرِ
هَلْ لَامُ يَطْلُعُ مَضْمُومٌ وَيَضْبِطُهَا ... بِذَاكَ ذَاكِرُهَا فِي الْبَدْوِ وَالْحَضَرِ
أَوْ يَنْصِبُوهَا وَضَمُّ اللَّامِ ذَا خَطَأٌ ... كَمَا تَفَوَّهَ شَخْصٌ مِنْ أُولِي الْفِكَرِ
وَمَا تَحَقَّقَ مِنْ قَوْلِ الَّذِينَ مَضَوْا ... وَصَنَّفُوا كُتُبًا فِي الصَّرْفِ لِلْبَشَرِ
لَا زَالَ مَجْدُكَ مَحْرُوسًا بِأَرْبَعَةٍ ... الْعِزِّ وَالنَّصْرِ وَالْإِقْبَالِ وَالظَّفَرِ
الْجَوَابُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ مُزْجِي السُّحْبَ بِالْمَطَرِ ... ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرِ
بِالضَّمِّ يَطْلُعُ مَنْقُولٌ وَشَاهِدُهُ ... تَطْلُعْ عَلَى قَوْمٍ الْمَقْرُوءُ فِي الزُّبُرِ