مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: «لَوْ كَانَ ذَاكَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكَ» . هَلْ لَفْظُ " فَأَسْتَغْفِرَ " بِالنَّصْبِ أَوْ بِالرَّفْعِ؟
الْجَوَابُ: هُوَ بِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ أَنْ بَعْدَ الْفَاءِ فِي جَوَابِ " لَوْ "، وَهِيَ لِلتَّمَنِّي لَا لِلشَّرْطِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 102] وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ " لَوْ " فِي الْحَدِيثِ لِلشَّرْطِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ، " لَوْ " إِنَّمَا تَقَعُ شَرْطًا فِي الْمُضِيِّ، وَإِذَا وَقَعَ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا أُوِّلَ بِالْمُضِيِّ. الثَّانِي: أَنَّ " لَوْ " الشَّرْطِيَّةَ لَا يَقَعُ جَوَابُهَا مُضَارِعًا بَلْ مَاضِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى. الثَّالِثُ: أَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ إِذَا كَانَ مُضَارِعًا لَا يَجُوزُ اقْتِرَانُهُ بِالْفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ " لَوْ " هُنَا لِلتَّمَنِّي لَا لِلشَّرْطِ.
مَسْأَلَةٌ: فِي إِعْرَابِ تَرْكِيبٍ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ نَصُّهُ: وَلَا يُمْكِنُ الْوَارِثَ أَخْذُهَا. هَلِ " الْوَارِثَ " مَرْفُوعٌ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ " وَأَخْذُهَا " بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ؟
الْجَوَابُ: الْوَارِثَ هُوَ الْمَفْعُولُ الْمَنْصُوبُ، وَأَخْذُهَا هُوَ الْفَاعِلُ الْمَرْفُوعُ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَمَنْ عَكَسَ فَهُوَ عَارَضَ مَنْ عَلِمَ الْعَرَبِيَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَاعِدَةٍ قَرَّرَهَا أَهْلُ النَّحْوِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهَا، مِنْهُمُ L-1 الزجاجي فِي الْجُمَلِ، وابن هشام فِي الْمُغْنِي، فَقَالَا: إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْفَاعِلُ مِنَ الْمَفْعُولِ فَرُدَّ الِاسْمَ إِلَى الضَّمِيرِ، وَمَا رَجَعَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَرْفُوعِ فَهُوَ الْفَاعِلُ، وَمَا رَجَعَ إِلَى ضَمِيرِهِ الْمَنْصُوبِ فَهُوَ الْمَفْعُولُ. وَقَالَ ابن هشام: تَقُولُ: أَمْكَنَ الْمُسَافِرَ السَّفَرُ، بِنَصْبِ " الْمُسَافِرَ " ; لِأَنَّكَ تَقُولُ: أَمْكَنَنِي السَّفَرُ، وَلَا تَقُولُ: أَمْكَنْتُ السَّفَرَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ التَّرْكِيبُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ، لَوْ رَجَّعْتَ الْوَارِثَ إِلَى الضَّمِيرِ لَقُلْتَ فِي التَّكَلُّمِ: وَلَا يُمْكِنُنِي أَخْذُهَا، وَفِي الْخِطَابِ: وَلَا يُمْكِنُكَ أَخْذُهَا، وَفِي الْغَيْبَةِ: وَلَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهَا، فَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا مَنْصُوبَةٌ، وَ " أَخْذُهَا " هُوَ الْفَاعِلُ، وَكَذَا " الْوَارِثَ " الْوَاقِعُ مَوْقِعَهُ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْوَارِثَ هُوَ الْفَاعِلُ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْعَقْلِ دُونَ الْأَخْذِ، فَهُوَ فِي غَايَةِ الْوَهْمِ، كَيْفَ وَالْإِمْكَانُ وَعَدَمُهُ إِنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَخْذِ لَا بِالْوَارِثِ، وَمِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد: 20] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124] فِي آيَاتٍ أُخْرَى تَرَى الْفَاعِلَ فِيهَا غَيْرَ أُولِي الْعَقْلِ.
مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ سَمِعَ إِنْسَانًا يُنْشِدُ قَوْلَ الْعَلَّامَةِ نَاصِحِ الدِّينِ الْأَرْجَانِيِّ:
هَذَا الزَّمَانُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ كَدَرٍ ... حَكَى انْقِلَابَ لَيَالِيهِ بِأَهْلِيهِ