اللَّهُ عَنْهُمْ هُمْ رُءُوسُ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَنَّ أبا بكر وعمر وبلالا رَأَوْا مِثْلَ مَا رَأَى عبد الله بن زيد. وَذَكَرَ إمام الحرمين فِي النِّهَايَةِ، وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ، أَنَّ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ كُلُّهُمْ قَدْ رَأَى مِثْلَ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ [أَنَّ] الَّذِي نَادَى بِالْأَذَانِ فَسَمِعَهُ عمر وبلال جِبْرِيلُ أَخْرَجَهُ الحارث بن أبي أسامة فِي مُسْنَدِهِ، وَيُشْبِهُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ ابن عساكر فِي تَارِيخِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أبي بكر فَرَآهُ ثَقِيلًا، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَدَخَلَ عَلَى عائشة لِيُخْبِرَهَا بِوَجَعِ أبي بكر، إِذْ دَخَلَ أبو بكر يَسْتَأْذِنُ، فَدَخَلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَجَّبُ لِمَا عَجَّلَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْعَافِيَةِ، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا أَنْ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِي فَغَفَوْتُ، فَأَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَطَعَنِي سَطْعَةً، فَقُمْتُ وَقَدْ بَرِأْتُ. فَلَعَلَّ هَذِهِ غَفْوَةُ حَالٍ لَا غَفْوَةُ نَوْمٍ» .
الْفَتَاوَى النَّحْوِيَّةُ وَمَا ضُمَّ إِلَيْهَا
مَسْأَلَةٌ: قَوْلُ ابْنِ الْمُصَنِّفِ: حَدُّ النَّحْوِ فِي الِاصْطِلَاحِ عِبَارَةٌ عَنِ الْعِلْمِ بِأَحْكَامٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنَ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِ الْعَرَبِ، أَعْنِي أَحْكَامَ الْكَلِمِ فِي ذَوَاتِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا بِالتَّرْكِيبِ، هَلْ قَوْلُهُ وَمَا يَعْرِضُ لَهَا بِأَوْ أَوْ بِالْوَاوِ، وَمَا مَعْنَى ذَلِكَ؟
الْجَوَابُ: هُوَ بِالْوَاوِ قَصَدَ بِذَلِكَ حَدَّ النَّحْوِ عَلَى مُصْطَلَحِ أَبِيهِ الشَّامِلِ لِلْإِعْرَابِ وَالتَّصْرِيفِ مَعًا، فَأَحْكَامُ الْكَلِمِ فِي ذَوَاتِهَا هُوَ الْمَبْحُوثُ عَنْهُ فِي التَّصْرِيفِ، وَمَا يَعْرِضُ لَهَا بِالتَّرْكِيبِ هُوَ الْمَبْحُوثُ عَنْهُ فِي الْإِعْرَابِ، وَيُطْلَقُ النَّحْوُ إِطْلَاقًا آخَرَ عَلَى مَا يُرَادِفُ الْإِعْرَابَ وَيُقَابِلُ التَّصْرِيفَ، وَلَهُ حَدٌّ غَيْرُ مَا ذَكَرَ.
مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ» . هَلِ " الْجَنَّةُ " بِالرَّفْعِ أَوْ بِالنَّصْبِ؟ .
الْجَوَابُ: هُوَ بِالنَّصْبِ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يَسْتَقِيمُ بِهِ الْمَعْنَى، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ النُّحَاةِ: يَجُوزُ الرَّفْعُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْخَبَرِ ; لِأَنَّهُ حَيْثُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَالِاسْتِئْنَافُ هُنَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى، إِذْ يَصِيرُ الْمُرَادُ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِدْخَالُهُ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، فَتَعَيَّنَ النَّصْبُ.
مَسْأَلَةٌ: مَا إِعْرَابُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ: النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَقُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» ؟