فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ: وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُتِلَ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا.
الْفَتَاوَى الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّصَوُّفِ
مَسْأَلَةٌ: فِيمَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ أبو نعيم فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أبي عبد الله محمد بن الوراق لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَشْيَاءَ فَعَدَّ مِنْهَا بِأَنْ قَالَ: مَنِ اكْتَفَى بِالْفِقْهِ دُونَ الزُّهْدِ يَفْسُقُ، فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا هُوَ الزُّهْدُ الَّذِي يَكْتَفِي بِالْفِقْهِ دُونَهُ؟ وَهَلِ الْفَقِيهُ إِذَا اكْتَفَى بِالْفِقْهِ وَخَرَجَ مِنَ الْخِلَافِ، هَلْ يُعَدُّ هَذَا مِنَ الزُّهْدِ الَّذِي عَنَاهُ الشَّيْخُ هُنَا؟ الْجَوَابُ: هَذَا كَلَامُ رَجُلٍ صُوفِيٍّ تَكَلَّمَ بِحَسْبِ مَقَامِهِ، فَإِنَّ الْخَوَاصَّ يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ عَلَى مَا لَا يُطْلِقُهُ الْفُقَهَاءُ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، فَأَطْلَقَ عَلَى الْحَسَنَاتِ سَيِّئَاتٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَلِيِّ مَقَامِهِمْ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْفَارِضِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
وَإِنْ خَطَرَتْ لِي فِي سِوَاكَ إِرَادَةٌ ... عَلَى خَاطِرِي سَهْوًا قَضَيْتُ بِرِدَّتِي
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرِدَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ، وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ قَوْلُ الصُّوفِيَّةِ: إِنَّ الْغِيبَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ، فَكُلُّ هَذَا مِنْ طَرِيقَةِ الْخَوَاصِّ يُلْزِمُونَ أَنْفُسَهُمْ بِمَا لَا يَلْزَمُ الْعَامَّةَ.
مَسْأَلَةٌ: فِي جَمَاعَةٍ صُوفِيَّةٍ اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسِ ذِكْرٍ ثُمَّ إِنَّ شَخْصًا مِنَ الْجَمَاعَةِ قَامَ مِنَ الْمَجْلِسِ ذَاكِرًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ لِوَارِدٍ حَصَلَ لَهُ، فَهَلْ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ أَمْ لَا، وَهَلْ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ وَزَجْرُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ .
الْجَوَابُ: لَا إِنْكَارَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِعَيْنِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ سراج الدين البلقيني فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا إِنْكَارَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِمَانِعِ التَّعَدِّي بِمَنْعِهِ، وَيَلْزَمُ الْمُتَعَدِّيَ بِذَلِكَ التَّعْزِيرُ، وَسُئِلَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ برهان الدين الأبناسي فَأَجَابَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَزَادَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَالِ مَغْلُوبٌ، وَالْمُنْكِرَ مَحْرُومٌ مَا ذَاقَ لَذَّةَ التَّوَاجُدِ وَلَا صَفَا لَهُ الْمَشْرُوبُ، إِلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِ جَوَابِهِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالسَّلَامَةُ فِي تَسْلِيمِ حَالِ الْقَوْمِ، وَأَجَابَ أَيْضًا بِمِثْلِ ذَلِكَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ كُلُّهُمْ كَتَبُوا عَلَى هَذَا السُّؤَالِ بِالْمُوَافَقَةِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ.
أَقُولُ: وَكَيْفَ يُنْكَرُ الذِّكْرُ قَائِمًا وَالْقِيَامُ ذَاكِرًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ} [آل عمران: 191]