الحاوي للفتاوي (صفحة 730)

مِنْهُ ثُمَّ هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَقِبَ وَاقِعَةِ النَّارِ إِلَى الشَّامِ كَمَا نَصَّ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ مُهَاجِرِهِ دَخَلَ مِصْرَ وَاتُّفِقَ لَهُ فِيهَا مَعَ الْجَبَّارِ مَا اتُّفِقَ بِسَبَبِ سارة وَأَخْدَمَهُ هَاجَرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الشَّامِ ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَنْقُلَهَا وَوَلَدَهَا إِسْمَاعِيلَ إِلَى مَكَّةَ فَنَقَلَهُمَا وَدَعَا فَقَالَ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم: 37] إِلَى قَوْلِهِ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41] فَاسْتَغْفَرَ لِوَالِدَيْهِ وَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِ عَمِّهِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، فَيُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذَا أَنَّ الذِّكْرَ فِي الْقُرْآنِ بِالْكُفْرِ وَالتَّبَرِّي مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لَهُ هُوَ عَمُّهُ لَا أَبُوهُ الْحَقِيقِي، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَلْهَمَ.

رَوَى ابن سعد فِي الطَّبَقَاتِ عَنِ الكلبي قَالَ: هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بَابِلَ إِلَى الشَّامِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَأَتَى حَرَّانَ فَأَقَامَ بِهَا زَمَانًا، ثُمَّ أَتَى الْأُرْدُنَّ فَأَقَامَ بِهَا زَمَانًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مِصْرَ فَأَقَامَ بِهَا زَمَانًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الشَّامِ فَنَزَلَ السَّبْعَ - أَرْضًا بَيْنَ إِيلْيَاءَ وَفِلَسْطِينَ - ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْبَلَدِ آذَوْهُ فَتَحَوَّلَ مِنْ عِنْدِهِمْ فَنَزَلَ مَنْزِلًا بَيْنَ الرَّمَلَةِ وَإِيلْيَاءَ، وَرَوَى ابن سعد عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: وُلِدَ لِإِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعِينَ سَنَةً، فَعُرِفَ مِنْ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ أَنَّ بَيْنَ هِجْرَتِهِ مِنْ بَابِلَ عَقِبَ وَاقِعَةِ النَّارِ وَبَيْنَ الدَّعْوَةِ الَّتِي دَعَا بِهَا بِمَكَّةَ بِضْعًا وَخَمْسِينَ سَنَةً.

تَتْمِيمٌ: ثُمَّ اسْتَمَرَّ التَّوْحِيدُ فِي وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، قَالَ الشهرستاني فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ: كَانَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ قَائِمًا، وَالتَّوْحِيدُ فِي صَدْرِ الْعَرَبِ شَائِعًا، وَأَوَّلُ مَنْ غَيَّرَهُ وَاتَّخَذَ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ عمرو بن لحي، قُلْتُ: وَقَدْ صَحَّ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ، أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «رَأَيْتُ عمرو بن عامر الخزاعي يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ» ) وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أحمد فِي مَسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ وَعَبَدَ الْأَصْنَامَ أبو خزاعة عمرو بن عامر، وَإِنِّي رَأَيْتُهُ يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ فِي النَّارِ» ) .

وَأَخْرَجَ ابن إسحاق وَابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «رَأَيْتُ عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يَجُرُّ قُصْبَهُ بِالنَّارِ، إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ» ) ، وَلَفْظُ ابن إسحاق: " أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ " وَنَصَبَ الْأَوْثَانَ وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ وَحَمَى الْحَامِيَ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ بَعْدَ إِسْمَاعِيلَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِالشَّيْءِ يُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ حَتَّى أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ فِي التَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015