الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى مُرَاجَعَةِ الْأَحَادِيثِ كَمَا فَهِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ الْعَزِيزَ قَدِ انْطَوَى عَلَى جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَفَهِمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَهْمِهِ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ، ثُمَّ شَرَحَهَا لِأُمَّتِهِ فِي السُّنَّةِ، وَأَفْهَامُ الْأُمَّةِ تَقْصُرُ عَنْ إِدْرَاكِ مَا أَدْرَكَهُ صَاحِبُ النُّبُوَّةِ، وَعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَفْهَمَ مِنَ الْقُرْآنِ كَفَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَاهِدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَهِمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُرْآنِ - قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَمِيعُ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ الْقُرْآنِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَطِ " مِنْ حَدِيثِ عائشة، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَا أُحِلُّ إِلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا أُحَرِّمُ إِلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ» .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا: جَمِيعُ مَا تَقُولُهُ الْأُمَّةُ شَرْحٌ لِلسُّنَّةِ، وَجَمِيعُ السُّنَّةِ شَرْحٌ لِلْقُرْآنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا: لَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ فِي الدِّينِ نَازِلَةٌ إِلَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ الدَّلِيلُ عَلَى سَبِيلِ الْهُدَى فِيهَا.
وَقَالَ ابن برجان: مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِيهِ أَصْلُهُ، قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، فَهِمَهُ مَنْ فَهِمَهُ، وَعَمِهَ مَنْ عَمِهَ، وَكَذَا كُلُّ مَا حَكَمَ أَوْ قَضَى بِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ مِنَ الْقُرْآنِ لِمَنْ فَهَّمَهُ اللَّهُ حَتَّى إِنِّ بَعْضَهُمُ اسْتَنْبَطَ عُمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ مِنْ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون: 11] فَإِنَّهَا رَأْسُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سُورَةً، وَعَقَّبَهَا بِالتَّغَابُنِ لِيُظْهِرَ التَّغَابُنَ فِي فَقْدِهِ.
وَقَالَ المرسي فِي تَفْسِيرِهِ: جَمَعَ الْقُرْآنُ عُلُومَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ بِحَيْثُ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا حَقِيقَةً إِلَّا الْمُتَكَلِّمُ بِهِ ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَا مَا اسْتَأْثَرَ بِهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ رَوَتْ عَنْهُ مُعْظَمَ ذَلِكَ سَادَاتُ الصَّحَابَةِ وَأَعْلَامُهُمْ، مِثْلَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَمِثْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ حَتَّى قَالَ: لَوْ ضَاعَ لِي عِقَالُ بَعِيرٍ لَوَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَكُونُ فِتَنٌ، قِيلَ: وَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] . وَقَالَ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَوْ أَغْفَلَ شَيْئًا لَأَغْفَلَ الذَّرَّةَ وَالْخَرْدَلَةَ وَالْبَعُوضَةَ» . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَأَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ فِي " كِتَابِ الْعَظَمَةِ ".
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فَعَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ فِيهِ خَبَرَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا: أُنْزِلَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ كُلُّ عِلْمٍ، وَبُيِّنَ لَنَا فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَلَكِنَّ عِلْمَنَا يَقْصُرُ عَمَّا بُيِّنَ لَنَا