الحاوي للفتاوي (صفحة 643)

وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مكحول قَالَ: مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ صَلَّى مَعَهُ مَلَكَانِ فَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ سَبْعُونَ مَلَكًا.

دَلَّتْ هَذِهِ الْآثَارُ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُصَلُّونَ خَلْفَنَا صَلَاتَنَا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِشَرْعِنَا، وَيُرَشِّحُ ذَلِكَ فَرْعَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا أَصْحَابُنَا: الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ السبكي فِي الْحَلَبِيَّاتِ: أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِالْمَلَائِكَةِ كَمَا تَحْصُلُ بِالْآدَمِيِّينَ قَالَ: وَبَعْدَ أَنْ قُلْتُ ذَلِكَ بَحْثًا رَأَيْتُهُ مَنْقُولًا، فَفِي فَتَاوَى الحناطي مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ مِنَ الْأَرْضِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَكَانَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ هَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَكُونُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي فَضَاءٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَصَلَّى وَحْدَهُ صَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ صُفُوفًا» فَإِذَا حَلَفَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْنَثُ، قَالَ السبكي: وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَقُلْنَا بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ، هَلْ نَقُولُ يَجِبُ الْقَضَاءُ كَمَنْ صَلَّى فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ؟ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ ; فَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ إِنْ قُلْنَا بِأَنَّهَا كَصَلَاةِ الْآدَمِيِّينَ، وَأَنَّهَا تَصِيرُ بِهَا جَمَاعَةً، فَقَدْ يُقَالُ أَنَّهَا تَكْفِي لِسُقُوطِ الْقَضَاءِ.

الْفَرْعُ الثَّانِي: قَوْلُ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي إِذَا سَلَّمَ أَنْ يَنْوِيَ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ.

الدَّلِيلُ السَّادِسُ: مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ علي قَالَ: «لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا الْبُرَاقُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: خَرَجَ مَلَكٌ مِنَ الْحِجَابِ، فَقَالَ الْمَلَكُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ - إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمَهُ فَأَمَّ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَوْمَئِذٍ أَكْمَلَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّرَفَ عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» .

وَأَخْرَجَ أبو نعيم فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ محمد بن الحنفية مِثْلَهُ، وَفِيهِ «فَقَالَ الْمَلَكُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ اللَّهُ: صَدَقَ عَبْدِي دَعَا إِلَى فَرِيضَتِي - إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَدَّمْ فَتَقَدَّمَ، فَأَمَّ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَتَمَّ لَهُ شَرَفُهُ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ» .

فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى إِرْسَالِهِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: شَهَادَةُ الْمَلَكِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ مُطْلَقًا، حَيْثُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.

الثَّانِي: قَوْلُ اللَّهِ فِي دُعَاءِ الْمَلَكِ إِلَى الصَّلَاةِ: دَعَا إِلَى فَرِيضَتِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فُرِضَتْ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا فُرِضَتْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ.

الثَّالِثُ: إِمَامَتُهُ لِأَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ بِأَسْرِهِمْ خَلْفَهُ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015