فِي دَرْسِ التَّفْسِيرِ فَأَجَبْتُ فِيهَا بِذَلِكَ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا اسْتَنَدَ إِلَيْهَا، نَعَمْ رَأَيْتُ ابْنَ الصَّلَاحِ اسْتَنَدَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] ، وَهَذَا مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ لِبَنِيهِ، وَيَعْقُوبَ لِبَنِيهِ، وَفِي بَنِي كُلٍّ أَنْبِيَاءُ فَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ طَرْدُهُ فِي أُمَّةِ مُوسَى وَعِيسَى، لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ تُسَمَّى الْإِسْلَامَ، وَبِهَا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَوْلَادُ إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبَ عَلَيْهَا فَصَحَّ أَنْ يُخَاطَبُوا بِذَلِكَ، وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى مَنْ مِلَّتُهُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ أَوْرَدَ عَلَى ابن الصلاح فِي اخْتِيَارِهِ ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] ، وَقَالَ: فَمَا فَائِدَةُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يُسَمَّى مُسْلِمًا، وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي قَامَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ مَا رَجَّحْنَاهُ مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُمَمِ وَإِنْ كَانَ مَا وَرَدَ مِنْ إِطْلَاقِ ذَلِكَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ فَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى نَبِيٍّ أَوْ وَلَدِ نَبِيٍّ تَبَعًا لَهُ أَوْ جَمَاعَةٍ فِيهِمْ نَبِيٌّ غَلَبَ لِشَرَفِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111] فَإِنَّ الْحَوَارِيِّينَ [أَنْبِيَاءُ مِنْهُمْ] ، فِيهِمُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} [يس: 13] نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ حَوَارِيِّ عِيسَى، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ أَنْبِيَاءُ، وَيُرَشِّحُهُ ذِكْرُ الْوَحْيِ إِلَيْهِمْ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي قَوْلِهِ: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44] أَيِ الَّذِينَ انْقَادُوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أُولِي الْعَزْمِ لِأُولِي الْعَزْمِ الَّذِينَ يَهْدُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَيَأْتُونَ بِالشَّرَائِعِ، انْتَهَى.
فَصْلٌ: قَالَ قَائِلٌ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] الْآيَةَ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ اسْتِوَاءُ الشَّرَائِعِ كُلِّهَا فِي أَصْلِ التَّوْحِيدِ، وَلَيْسَ الْإِسْلَامُ اسْمًا لِلتَّوْحِيدِ فَقَطْ بَلْ لِمَجْمُوعِ الشَّرِيعَةِ بِفُرُوعِهَا وَأَعْمَالِهَا، فَالْمُسْتَدِلُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِمَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْأَعْمَالِ، أَوْ يَزْعُمَ اسْتِوَاءَ الشَّرَائِعِ فِي الْفُرُوعِ، وَكِلَاهُمَا جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ، ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ الِاسْتِوَاءُ لَمْ يَصْلُحِ الِاسْتِدْلَالُ ; لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ فِي أَمْرٍ لَفْظِيٍّ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ تُسَمَّى تِلْكَ الشَّرَائِعُ إِسْلَامًا أَوْ لَا تُسَمَّى؟ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ اتِّفَاقِهَا فِي الْفُرُوعِ وَاخْتِلَافِهَا، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى قَاعِدَةِ أَنَّ