الشافعي عَنْ قَطْعِ السِّدْرِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «اغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» " فَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ أبو داود، وَرُوِّينَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُهُ مِنْ أَرْضِهِ، وَهُوَ أَحَدُ رُوَاةِ النَّهْيِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصًّا، كَمَا قَالَ أبو داود.
وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ يَحْيَى الْمُزَنِيَّ سُئِلَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: وَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَمَّنْ هَجَمَ عَلَى قَطْعِ السِّدْرِ لِقَوْمٍ أَوْ لِيَتِيمٍ أَوْ لِمَنْ حَرَّمَ اللَّهُ أَنْ يُقْطَعَ عَلَيْهِ، فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ بِقَطْعِهِ، فَاسْتَحَقَّ مَا قَالَهُ، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ سَبَقَتِ السَّامِعَ فَسَمِعَ الْجَوَابَ وَلَمْ يَسْمَعِ الْمَسْأَلَةَ، وَجَعَلَ نَظِيرَهُ حَدِيثَ أسامة بن زيد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» "، فَسَمِعَ الْجَوَابَ، وَلَمْ يَسْمَعِ الْمَسْأَلَةَ، وَقَدْ قَالَ: " «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ» ".
وَاحْتَجَّ المزني بِمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ إِجَازَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ بِالسِّدْرِ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يَجُزِ الِانْتِفَاعُ بِهِ. قَالَ: وَالْوَرَقُ مِنَ السِّدْرِ كَالْغُصْنِ، وَقَدْ سَوَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا حُرِّمَ قَطْعُهُ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ بَيْنَ وَرَقِهِ وَغَيْرِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ وَرَقِ السِّدْرِ دَلَّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ السِّدْرِ. انْتَهَى.
قُلْتُ: وَالْأَوْلَى عِنْدِي فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى سِدْرِ الْحَرَمِ، كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ. وَقَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ: قِيلَ: أَرَادَ بِهِ سِدْرَ مَكَّةَ ; لِأَنَّهَا حَرَمٌ. وَقِيلَ: سِدْرُ الْمَدِينَةِ نَهَى عَنْ قَطْعِهِ ; لِيَكُونَ أُنْسًا وَظِلًّا لِمَنْ يُهَاجِرُ إِلَيْهَا، وَقِيلَ: أَرَادَ السِّدْرَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ، يَسْتَظِلُّ بِهِ أَبْنَاءُ السَّبِيلِ وَالْحَيَوَانُ. أَوْ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ فَيَتَحَامَلُ عَلَيْهِ ظَالِمٌ فَيَقْطَعُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، قَالَ: وَمَعَ هَذَا فَالْحَدِيثُ مُضْطَرِبُ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يُرْوَى عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ - وَكَانَ هُوَ يَقْطَعُ السِّدْرَ، وَيَتَّخِذُ مِنْهُ أَبْوَابًا - وَأَهْلُ الْعِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى إِبَاحَةِ قَطْعِهِ. انْتَهَى.
وَبَقِيَ لِلْحَدِيثِ طُرُقٌ فَاتَتِ الْبَيْهَقِيَّ، قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ فِي سُنَنِهِ: ثَنَا الرمادي، ثَنَا سفيان عَنْ عثمان بن أبي سليمان، عَنِ ابْنِ عَمٍّ لَهُ يُقَالُ لَهُ حسين، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، عَنْ عبد الله بن شديد، وَعَنْ أبي إسحاق الدوسي، رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الَّذِينَ يَقْطَعُونَ السِّدْرَ يَصُبُّ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ صَبًّا» " وَقَالَ الْآخَرُ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ: " «مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» ".