وَشِبْهُهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا مُجَرَّدَ فَتْحِ بَابٍ جَدِيدٍ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ اقْتِضَاءِ الْمَصْلَحَةِ لَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ الصَّحِيحَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَسْوِيغِهِ الْحَدِيثَ: " «لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكَ بِالْكُفْرِ لَجَعَلْتُ لِلْكَعْبَةِ بَابَيْنِ» وَلَا فَرْقَ، وَالْأَثَرُ فِعْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ إِجْمَاعٌ.
قُلْتُ: الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ لَكِنْ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِالْكَعْبَةِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْبَابَيْنِ كَانَا فِي زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ فَفَتْحُ الثَّانِي رَدٌّ لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ، وَأَمَّا فِعْلُ عثمان فَكَانَ لِمَصْلَحَةِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ هَدْمٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ جِئْنَا نَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَصْرٍ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ ابن الصلاح: لَا بُدَّ أَنْ يُصَانَ ذَلِكَ عَنْ هَدْمِ شَيْءٍ لِأَجْلِ الْفَتْحِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْمَكَانِ الْمَوْقُوفِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَوْقُوفِ، فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُ الْوَقْفِ فِيهِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا كَانَ الْفَتْحُ بِانْتِزَاعِ حِجَارَتِهِ بِأَنْ تُجْعَلَ فِي طَرَفٍ آخَرَ مِنَ الْمَكَانِ، فَلَا بَأْسَ - هَذَا كَلَامُ ابن الصلاح، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْفَتْحُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ فِي بَابٍ جَدِيدٍ فِي الْحَرَمِ إِذَا ضَاقَتْ أَبْوَابُهُ مِنِ ازْدِحَامِ الْحَجِيجِ وَنَحْوِهِمْ، فَيُفْتَحُ فِيهِ بَابٌ آخَرُ وَأَكْثَرُ لِيَتَّسِعُوا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ أَنَّهُ جَائِزٌ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، أَمَّا غَيْرُهُ لِغَرَضٍ خَاصٍّ مِنْ جِيرَانِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَلَا.
الْمَوْضِعُ الثَّانِي وَهُوَ جَوَازُ الِاسْتِطْرَاقِ فِيهِ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَا نَقْلَ عِنْدِي فِي مِثْلِهِ، وَالَّذِي أَقُولُهُ أَنَّهُ حَيْثُ جَازَ الْفَتْحُ جَازَ الِاسْتِطْرَاقُ وَلَا إِشْكَالَ، وَحَيْثُ لَمْ يَجُزِ الْفَتْحُ فَقَدْ خَطَرَ لِي فِي نَظَرِي فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْكَعْبَةِ الَّذِي هُوَ الْيَوْمَ، وَهُوَ الَّذِي أَحْدَثَتْهُ قُرَيْشٌ بَدَلًا عَنِ الْبَابِ التَّحْتَانِيِّ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وَخَطَرَ لِي فِي الْجَوَابِ عَنْهُ أَنَّ دَخُولَ الْكَعْبَةِ مَشْرُوعٌ سُنَّةً وَرُبَّمَا كَانَ وَاجِبًا، فَلَا يُتْرَكُ لِفِعْلِ قُرَيْشٍ وَلَمْ يَكُنْ تَغْيِيرُ ذَلِكَ الْبَابِ مُمْكِنًا لِمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْلَا حِدْثَانُ عَهْدِ قَوْمِكَ " فَاجْتَمَعَ فِي بَابِ الْكَعْبَةِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا جَوَازُ إِبْقَائِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالثَّانِي الْحَاجَةُ إِلَى دُخُولِ الْكَعْبَةِ إِقَامَةً لِلشَّرْعِ الْمَسْنُونِ وَالْوَاجِبِ وَهَكَذَا الْآنَ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى جَوَازِ تَغْيِيرِهِمَا مَعًا، وَيَكْفِي تَقْرِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلًا لِجَوَازِ إِبْقَاءِ ذَلِكَ الْبَابِ وَالدُّخُولِ مِنْهُ رَدْعٌ يَكُونُ فُتِحَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَتَقْرِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُخُولُهُ مِنْهُ شَرْعٌ مُسْتَقِلٌّ، وَيَكُونُ أَيْضًا فِي أَنَّ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ وَقَدْ أُفْرِدَ عَنْهُ بِبِنَاءٍ لَطِيفٍ فِيهِ فَتْحَتَانِ شَرْقِيَّةٌ وَغَرْبِيَّةٌ فِي جِرْيَةٍ مُتَلَاصِقَتَانِ لِجِهَةِ الْكَعْبَةِ وَالدُّخُولُ فِيهِ مِنْ إِحْدَى الْفَتْحَتَيْنِ، أَوْ مِنْ فَوْقِ جِدَارِهِ اللَّطِيفِ مَا أَظُنُّ أَحَدًا يَمْنَعُ مِنْهُ وَلَا أَدْرِي هَلْ دَخَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَا، وَلَكِنْ جَاءَ فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ لعائشة: