الحاوي للفتاوي (صفحة 462)

صَفِيٍّ فِي عَامِ أَزْبَةٍ أَوْ لَزْبَةٍ "، وَأَخْرَجَ عَنْ أبي بردة قَالَ: " لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي حِجْرِهِ دَنَانِيرُ يُعْطِيهَا وَالْآخَرُ يَذْكُرُ اللَّهَ، كَانَ ذَاكِرُ اللَّهِ أَفْضَلَ " وَالْآثَارُ فِي الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا أَوْرَدْنَاهُ كِفَايَةٌ.

وَمِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَفْضِيلِ الذِّكْرِ عَلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ أَنَّهُ لَمْ يُرَخِّصْ فِي تَرْكِهِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: افْتَرَضَ اللَّهُ ذِكْرَهُ عِنْدَ أَشْغَلِ مَا تَكُونُوا، عِنْدَ الضِّرَابِ بِالسُّيُوفِ فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[نَتِيجَةُ الْفِكْرِ فِي الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى. وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، سَأَلْتُ أَكْرَمَكَ اللَّهُ عَمَّا اعْتَادَهُ السَّادَةُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ عَقْدِ حِلَقِ الذِّكْرِ وَالْجَهْرِ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّهْلِيلِ، وَهَلْ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ أَوْ لَا؟

الْجَوَابُ: إِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ، وَأَحَادِيثُ تَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْإِسْرَارِ بِهِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ، كَمَا جَمَعَ النووي بِمِثْلِ ذَلِكَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِاسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْوَارِدَةِ بِاسْتِحْبَابِ الْإِسْرَارِ بِهَا، وَهَا أَنَا أُبَيِّنُ ذَلِكَ فَصْلًا فَصْلًا.

[ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ تَصْرِيحًا أَوِ الْتِزَامًا]

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ» وَالذِّكْرُ فِي الْمَلَأِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ جَهْرٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015