مَرْفُوعًا: " «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ، أَوْ فَطَّرَ صَائِمًا، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا» ". وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عطاء، عَنْ زيد بن خالد مَرْفُوعًا: " «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا أَوْ جَهَّزَ غَازِيًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» " دَلَّتْ هَذِهِ الطُّرُقُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْحَدِيثِ: فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ الصَّوْمَ، لَا مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ تَفْطِيرَ الصَّائِمِ، وَإِنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَغْيِيرِ الرُّوَاةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "مَنْ" فِيهِ بِمَعْنَى " مَا"، وَالْأَصْلُ: كَانَ لَهُ أَجْرُ مَا عَمِلَهُ وَهُوَ الصَّوْمُ، فَالضَّمِيرُ فِي "عَمِلَهُ" رَاجِعٌ إِلَى "مَنْ" بِمَعْنَى "مَا" مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى التَّأْوِيلِ السَّابِقِ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ: كَانَ لَهُ أَجْرٌ، بِالتَّنْوِينِ، وَ: مِنْ عَمَلِهِ، بِالْجَرِّ. قُلْتُ: لَا، لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ "مِنْ" إِنْ قُدِّرَتْ تَبْعِيضِيَّةً وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الصَّائِمِ كَانَ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ ; فَإِنَّهَا تَقْتَضِي الْمِثْلِيَّةَ، وَتِلْكَ عَلَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ تَقْتَضِي الْبَعْضِيَّةَ، وَإِنْ قُدِّرَتْ تَبْعِيضِيَّةً وَالضَّمِيرُ لِلتَّفْطِيرِ، فَفَاسِدٌ كَمَا لَا يَخْفَى. الثَّانِي أَنَّهَا إِنْ قُدِّرَتْ سَبَبِيَّةً وَالضَّمِيرُ لِلصَّائِمِ، فَفَاسِدٌ كَمَا لَا يَخْفَى ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤْجَرُ بِسَبَبِ عَمَلِ غَيْرِهِ، إِنَّمَا يُؤْجَرُ بِسَبَبِ عَمَلِ نَفْسِهِ، أَوْ لِلْمُفْطِرِ، لَمْ يَصِحَّ اعْتِلَاقُ مَا بَعْدَهُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا.
مَسْأَلَةٌ: فِي حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ: رَجَبٌ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَجَبٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ» ". وَحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ صَامَ مِنْ شَهْرٍ حَرَامٍ الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ، كُتِبَ لَهُ عِبَادَةُ سَبْعِمِائَةِ سَنَةٍ» "، وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا كَانَ كَصِيَامِ شَهْرٍ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ غُلِّقَتْ عَنْهُ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ السَّبْعَةُ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُهُ حَسَنَاتٍ» " هَلْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الضَّعِيفِ وَالْغَرِيبِ.
الْجَوَابُ: لَيْسَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِمَوْضُوعَةٍ، بَلْ هِيَ مِنْ قِسْمِ الضَّعِيفِ الَّذِي تَجُوزُ رِوَايَتُهُ فِي الْفَضَائِلِ، أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حَيَّانَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، والأصبهاني وابن شاهين، كِلَاهُمَا فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ الحافظ ابن حجر: وَلَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُنْظَرُ فِي حَالِهِ سِوَى منصور بن زائدة الأسدي، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ لَمْ أَرَ فِيهِ تَعْدِيلًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ الذهبي فِي الْمِيزَانِ وَضَعَّفَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا