قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ نَهَارٌ وَلَا أَيَّامٌ، وَرَوَى ابن عساكر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْأَحَدَ، فَسَمَّاهُ الْأَحَدَ. فَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ الْأَرْبَعَةُ إِذَا رُكِّبَتْ مَعَ بَعْضِهَا أَنْتَجَتْ لِلْمُجْتَهِدِ أَنَّ خَلْقَ الْأَيَّامِ وَقَعَ مُقَارِنًا لِخَلْقِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ لَا مُتَقَدِّمًا وَلَا مُتَأَخِّرًا، وَأَنَّ الْأَيَّامَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54] هِيَ أَوَّلُ أَيَّامٍ خُلِقَتْ فِي الدُّنْيَا.
مَسْأَلَةٌ
يَا عَالِمَ الْعَصْرِ لَا زَالَتْ أَنَامِلُكُمْ ... تَهْمِي وَجُودُكُمُ نَامٍ مَدَى الزَّمَنِ
لَقَدْ سَمِعْتُ خِصَامًا بَيْنَ طَائِفَةٍ ... مِنَ الْأَفَاضِلِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاللُّسُنِ
فِي الْأَرْضِ هَلْ خُلِقَتْ قَبْلَ السَّمَاءِ وَهَلْ ... بِالْعَكْسِ جَا أَثَرٌ يَا نُزْهَةَ الْزَمَنِ؟
فَمِنْهُمُ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ مُنْشَأَةٌ ... بِالْخَلْقِ قَبْلَ السَّمَا قَدْ جَاءَ فِي السُّنَنِ
وَمِنْهُمُ مَنْ أَتَى بِالْعَكْسِ مُسْتَنِدًا ... إِلَى كَلَامِ إِمَامٍ مَاهِرٍ فَطِنِ
أَوْضِحْ لَنَا مَا خَفِيَ مِنْ مُشْكِلٍ وَأَبِنْ ... نَجَّاكَ رَبُّكَ مِنْ وِزْرٍ وَمِنْ مِحَنِ
ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرٍ ... مَاحِي الضَّلَالَةِ هَادِي الْخَلْقِ لِلسُّنَنِ
الْجَوَابُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْأَفْضَالِ وَالْمِنَنِ ... ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَبْعُوثِ بِالسُّنَنِ
الْأَرْضُ قَدْ خُلِقَتْ قَبْلَ السَّمَاءِ كَمَا ... قَدْ نَصَّهُ اللَّهُ فِي حم فَاسْتَبِنِ
وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي النَّازِعَاتِ أَتَى ... فَدَحْوُهَا غَيْرُ ذَاكَ الْخَلْقِ لِلْفَطِنِ
فَالْحَبْرُ أَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ أَجَابَ بِذَا ... لَمَّا أَتَاهُ بِهِ قَوْمٌ ذَوُو لُسُنِ
وابن السيوطي قَدْ خَطَّ الْجَوَابَ لِكَيْ ... يَنْجُوَ مِنَ النَّارِ وَالْآثَامِ وَالْفِتَنِ
مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ} [العنكبوت: 44] هَلِ السَّمَاوَاتُ مَفْعُولٌ بِهِ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ؟
الْجَوَابُ: هُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، وَمَنْ أَعْرَبَهُ مَفْعُولًا بِهِ فَقَدْ غَلَّطَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمُ ابن الحاجب فِي أَمَالِيهِ، وابن هشام فِي مُغْنِيهِ، وَوَجَّهُوهُ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ الْمَفْعُولَ بِهِ مَا كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْفِعْلِ الَّذِي عَمِلَ فِيهِ، ثُمَّ أَوْقَعَ الْفَاعِلُ بِهِ فِعْلًا، وَالْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ مَا كَانَ الْفِعْلُ الْعَامِلُ بِهِ هُوَ فِعْلَ إِيجَادِهِ، قَالَ ابن هشام: وَالَّذِي غَرَّ النَّحْوِيِّينَ فِي هَذَا أَنَّهُمْ يُمَثِّلُونَ الْفِعْلَ الْمُطْلَقَ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَهُمْ إِنَّمَا يَجْرِي عَلَى أَيْدِيهِمْ إِنْشَاءُ الْأَفْعَالِ لَا