الحاوي للفتاوي (صفحة 357)

الْمُرَادَ بِالذُّنُوبِ تَرْكُ الطَّاعَاتِ، وَبِالسَّيِّئَاتِ فِعْلُ الْمَعَاصِي.

الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْمُتَرَادِفَيْنِ كَقَوْلِهِ:

وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا.

[سُورَةُ النِّسَاءِ]

مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا} [النساء: 9] مَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ: {ضِعَافًا} [النساء: 9] مَعَ أَنَّ ذُرِّيَّةً يُغْنِي عَنْهُ، فَإِنَّ الذُّرِّيَّةَ هُمُ الصِّغَارُ؟

الْجَوَابُ: أَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّفْسِيرُ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَسَّرَ الذُّرِّيَّةَ فِي الْآيَةِ بِالْأَوْلَادِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا وَفَسَّرَ قَوْلَهُ {ضِعَافًا} [النساء: 9] أَيْ: صِغَارًا فَعُلِمَ أَنَّ الذُّرِّيَّةَ شَامِلٌ لِلْأَوْلَادِ مُطْلَقًا كَيْفَ كَانُوا، وَتَخْصِيصُهُمْ فِي الْآيَةِ بِالصِّغَارِ مِنَ الْوَصْفِ أَعْنِي صِغَارًا، وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ: الذُّرِّيَّةُ أَصْلُهَا الصِّغَارُ مِنَ الْأَوْلَادِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقَعُ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ مَعًا فِي التَّعَارُفِ، هَذَا لَفْظُهُ، وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَاطِقٌ بِإِطْلَاقِ الذُّرِّيَّةِ عَلَى الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: 3] وَقَوْلِهِ: {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124] وَقَوْلِهِ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ إِطْلَاقَهُ عَلَيْهِمَا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ أَيْضًا، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ - ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 33 - 34] وَقَالَ جَمَاعَةٌ: الذُّرِّيَّةُ تُطْلَقُ عَلَى الْأَوْلَادِ وَعَلَى الْآبَاءِ أَيْضًا، قَالَ صَاحِبُ نَظْمِ الْقُرْآنِ: الذُّرِّيَّةُ تُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، وَلِلْأَصْلِ وَالنَّسْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس: 41] أَيْ آبَاءَهُمْ، وَقَالَ الزملكاني فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ: الذُّرِّيَّةُ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْأَوْلَادِ تُطْلَقُ عَلَى الْآبَاءِ ; لِأَنَّ الْأَبَ ذُرِئَ مِنَ الْوَلَدِ أَيْ خُلِقَ، فَكَانَ ذُرِّيَّةً لِوَلَدِهِ، كَمَا أَنَّ الْوَلَدَ ذَرِيءٌ مِنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَمِنِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْآبَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس: 41] أَيْ آبَاءَهُمْ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 34] جَعَلَ آدَمَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ ذُرِّيَّةً لِلْأَنْبِيَاءِ انْتَهَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015