الحاوي للفتاوي (صفحة 329)

وَكَثْرَةِ دَوْرِ خُطَبِهِمَا بَيْنَ النَّاسِ وَكَثْرَتِهِمَا، وَإِلَّا فَكَلَامُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُصَحَاءِ فِي هَذَا الْمِنْهَاجِ مُتَّسِعٌ وَكَثِيرٌ، وَسُلُوكُ أَرْبَابِ الْعُلُومِ وَالْآدَابِ فِي ذَلِكَ مَعْلُومٌ وَشَهِيرٌ.

وَقَالَ الحريري فِي الْمَقَامَةِ الثَّانِيَةِ الْحُلْوَانِيَّةِ: فَلَمْ يَكُ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ، حَتَّى أَنْشَدَ فَأَغْرَبَ، وَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ الْكُوفِيَّةِ: فَهَلْ سَمِعْتُمْ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا الْعُجَابِ؟ فَقُلْنَا: لَا وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ. وَقَالَ فِي السَّادِسَةِ: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا، وَجُرْتُمْ عَنِ الْقَصْدِ جِدًّا، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا: فَإِنْ كُنْتَ صَدَعْتَ عَنْ وَصْفِكَ بِالْيَقِينِ فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، وَقَالَ فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ: وَاصْبِرْ عَلَى كَيْدِ الزَّمَانِ وَمُرِّهِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَالَ فِي الرَّجَبِيَّةِ: كَلَّا سَاءَ مَا تَتَوَهَّمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، وَقَالَ فِي الْمَيَّافَارِقِيَّةِ:

وَلَا سِيَّمَا يَفْتَحُ مُسْتَصْعَبًا ... مُسْتَغْلَقَ الْبَابِ مَنِيعًا مَهِيبْ

إِلَّا وَنُودِيَ حِينَ يَسْمُو لَهُ ... نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبْ

وَقَالَ فِي الْبَغْدَادِيَّةِ: فَعَاهَدَنِي أَنْ لَا أَفُوهَ بِمَا اعْتَمَدْ مَا دُمْتُ حِلًّا بِهَذَا الْبَلَدْ، وَقَالَ فِي الْمَلَطِيَّةِ: فَقَالَ افْعَلْ لِئَلَّا يَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ وَيَظُنُّوا بِي الظُّنُونَ.

وَمِثْلُ ذَلِكَ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرٌ جِدًّا. وَالْقَصْدُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا ذُكِرَ لِيَعْلَمَ النَّاظِرُ أَنَّهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ مَشْهُورٌ مَعْلُومٌ، وَالِاسْتِشْهَادُ بِمَا فِي الْمَقَامَاتِ لِكَثْرَةِ دَوْرِهَا بَيْنَ النَّاسِ وَاشْتِهَارِهَا وَاطِّلَاعِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا فِيهَا وَقِرَاءَتِهَا وَإِقْرَائِهَا وَحِفْظِهَا وَشَرْحِهَا وَالِاعْتِنَاءِ بِهَا يُوَضِّحُ صِحَّةَ الِاسْتِشْهَادِ بِمَا فِيهَا عَلَى مَا ذَكَرُوهَا، أَنَا أَذْكُرُ جُمْلَةً دَالَّةً عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مُؤَكِّدَةً لِمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ وَعُلَمَاءُ الْبَلَاغَةِ وَفُرْسَانُ اللِّسَانِ وَالَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَيْهِمْ فِي مِثْلِ هَذَا الشَّأْنِ ; لِيُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَعْلُومُ السَّبِيلِ عِلْمًا جَزْمًا، وَأَنَّهُ مَشْهُورٌ بَيْنَهُمْ نَثْرًا وَنَظْمًا: وَأَنْشَدَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً فِي كِتَابِ الْإِعْجَازِ لَهُ، وَأَنْشَدَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الطَّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ الْفَوَائِدِ لَهُ قَالَ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ:

رَحَلَ الظَّاعِنُونَ عَنْكَ وَأَبْقَوْا ... فِي حَوَاشِي الْحِشَاءِ وَجْدًا مُقِيمَا

قَدْ وَجَدْنَا السَّلَامَ بَرْدًا سَلَامًا ... إِذْ وَجَدْنَا النَّوَى عَذَابًا أَلِيمَا

وَأَمَّا عُلَمَاءُ الْبَيَانِ فِي كُتُبِهِمْ فَقَدْ أَكْثَرُوا مِنْ ذَلِكَ أَنْشَدُوا لِلْحَمَاسِيِّينَ:

إِذَا رُمْتُ عَنْهَا سَلْوَةً قَالَ شَافِعٌ ... مِنَ الْحُبِّ مِيعَادُ السُّلُوِّ الْمَقَابِرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015