قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا مَاتَ رجل وترك ما لا يَضِيقُ عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ فَاخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ وَالْغُرَمَاءُ فِي كَفَنِهِ وَمَؤُونَةِ دَفْنِهِ فَلَا يَخْلُو حَالُ اخْتِلَافِهِمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ.
إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي صِفَةِ الْأَكْفَانِ أَوْ فِي عَدَدِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي صِفَةِ الْأَكْفَانِ فَدَعَا الْوَرَثَةُ إِلَى تَكْفِينِهِ بِأَرْفَعِ الثِّيَابِ وَأَعْلَاهَا كَالسَّرْبِ وَالدِّيبَقِيِّ، وَدَعَا الغرماء إلى تكفينه بأدون الثياب كالناف وَغَلِيظِ الْبَصْرِيِّ، فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُلْزِمَ الْفَرِيقَيْنِ التَّعَارُفَ لِمِثْلِ الْمَيِّتِ فِي مِثْلِ حَالِهِ مِنْ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ وَسَطًا لَا مَا دَعَا إِلَيْهِ السَّرَفُ، وَلَا مَا صَنَعَ مِنْهُ الشَّحِيحُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) {الفرقان: 67) وَقَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كَلَّ البَسْطِ) {الإسراء: 29) فَذَمَّ الْحَالَيْنِ، وَمَدَحَ التَّوَسُّطَ بَيْنَهُمَا.
وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْأَكْفَانِ فَقَالَ الْوَرَثَةُ نُكَفِّنُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَقَالَ الْغُرَمَاءُ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُصَارُ إِلَى قَوْلِ الْغُرَمَاءِ وَيُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَطَوُّعٌ، وَلِلْغُرَمَاءِ مَنْعُ الْوَرَثَةِ مِنْ إِخْرَاجِ الْمَالِ فِي التَّطَوُّعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يُصَارُ إِلَى قَوْلِ الْوَرَثَةِ وَيُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَا يُنْقَصُ مِنْهَا اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَرُجُوعًا إِلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا مُفْلِسًا لَقَدَّمَ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ عَلَى الْغُرَمَاءِ، فَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ بِهَا مَيِّتًا، وَلَوْ قَالَ الْوَرَثَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ وَقَالَ الْغُرَمَاءُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغُرَمَاءِ لَا يُخْتَلَفُ، وَلَوْ قَالَ الْوَارِثُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَقَالَ الْغُرَمَاءُ فِي خِرْقَةٍ تَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ لَا يُخْتَلَفُ، فَأَمَّا الْحَنُوطُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَاجِبٌ كَالْكَفَنِ، فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَمْنَعُوا مِنْهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، لِأَنَّ طِيبَ الْحَيِّ غَيْرُ وَاجِبٍ فَكَذَلِكَ طِيبُ الْمَيِّتِ فَعَلَى هَذَا لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَمْنَعُوا منه.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيُغَسَّلُ السَّقْطُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إِنِ اسْتَهَلَّ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَدُفِنَ وَالْخِرْقَةُ الَّتِي تُوَارِيهِ لِفَافَةُ تَكْفِينِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا يَخْلُو حَالُ السَّقْطِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا أَوْ يَسْقُطَ مَيِّتًا، فَإِنِ اسْتَهَلَّ صَارِخًا غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ، وَبِهِ قَالَ كَافَّةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يصل