وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ الثَّانِي وَقَوْلِهِ " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ " فَأَبَاحَ دَمَهُ بِالْكُفْرِ مَعَ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا وَأَحْكَامُ الْكُفْرِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ فِي إِبَاحَةِ الدَّمِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ على الصوم والعيادات فَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ اسْتِيفَاءَ ذَلِكَ مُمْكِنٌ مِنْهُ، وَاسْتِيفَاءَ الصَّلَاةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ كَالْإِيمَانِ.
: فَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمَنْ تَابَعَهُ فَاسْتَدَلُّوا عَلَى إِثْبَاتِ كُفْرِهِ بِرِوَايَةِ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيْمَانِ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ".
وَالدَّلَالَةُ عَلَى إِسْلَامِهِ أن الشرع يشتمل على أوامر ونواهي، فَلَمَّا لَمْ يَكْفُرْ بِفِعْلِ مَا نُهِيَ عَنْهُ إِذَا كَانَ مُعْتَقِدًا لِتَحْرِيمِهِ، لَمْ يَكْفُرْ بِتَرْكِ مَا أُمِرَ بِهِ إِذَا كَانَ مُعْتَقِدًا لِوُجُوبِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا بِتَرْكِهَا لَكَانَ مُسْلِمًا بِفِعْلِهَا، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا بِفِعْلِهَا لَمْ يكن كافرا بتركها.
فأما الجوال عن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " فَفِيهِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الزَّجْرِ، كَمَا قَالَ: " لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ ".
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ فِي إِبَاحَةِ الدَّمِ.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا ثَبَتَ إِسْلَامُهُ وَتَقَرَّرَ وُجُوبُ قَتْلِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي زَمَانِ وَجُوبِهِ.
وَالثَّانِي: فِي صِفَةِ قَتْلِهِ.
فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي زَمَانِ وُجُوبِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَصْحَابِنَا: أَنَّ قَتْلَهُ يَجِبُ إِذَا تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً وَدَخَلَ وَقْتُ الْأُخْرَى وَضَاقَ حَتَّى لَمْ يُمْكِنْ إِيقَاعُ غَيْرِهَا فِيهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ قَتْلَهُ يَجِبُ إِذَا تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ وَدَخَلَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ، وَضَاقَ حَتَّى لَمْ يُمْكِنْ إِيقَاعُ غَيْرِهَا فِيهِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَهَلْ يُقْتَلُ لِمَا فَاتَ أَمْ لِصَلَاةِ الْوَقْتِ إِذَا ضَاقَ وَقْتُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، يُقْتَلُ لِمَا فَاتَ، فَعَلَى هَذَا إِنْ نَسِيَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا فَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهَا قُتِلَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يقتل لصلاة الوقت إذا ضاق يعلم فَوَاتُهَا، اسْتِدْلَالًا بِمَا تَرَكَ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى هَذَا إِنْ نَسِيَ صَلَوَاتٍ فَوَائِتَ ثُمَّ ذَكَرَهَا فَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهَا لَمْ يُقْتَلْ.