الْمَسْجِدِ؟ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: يُصَلِّي صَلَاةَ الْعِيدِ بِتَكْبِيرٍ زَائِدٍ وَيَنُوبُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ فَرِيضَةٍ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَهُ، وَيَنُوبُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَجْلِسُ لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ صَلَّى الْعِيدَ، لِأَنَّ الْمَأْمُومَ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْضِيَ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا بَعْدَ اتِّبَاعِهِ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْخُطْبَةِ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي صَلَاةِ فَرِيضَةٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
: قال الشافعي رضي الله عنه: " ثُمَّ لَا يَزَالُ يُكَبِّرُ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ مِنَ الظُّهْرِ مِنَ النَّحْرِ إِلَى أَنْ يُصُلِّيَ الصُّبْحَ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَيُكَبِّرُ بَعْدَ الصُّبْحِ ثُمَّ يَقْطَعُ وَبَلَغَنَا نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَالصُّبْحُ آخِرُ صَلَاةٍ بِمِنًى وَالنَّاسُ لَهُمْ تَبَعٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ تَكْبِيرَ الْعِيدَيْنِ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدٍ، فَالْمُطْلَقُ مَا تَعَلَّقَ بِالزَّمَانِ وَتَشْرِيفِهِ وَعَظِيمِ حُرْمَتِهِ، وَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْأَضْحَى وَالْفِطْرُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ صَلَاةٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَقَدْ مَضَى تَفْصِيلُهُ، وَإِنَّ أَوَّلَ زَمَانِهِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وآخره إلى عِنْدِ ظُهُورِ الْإِمَامِ، فَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَهُوَ مَا تَعَلَّقَ بِالصَّلَوَاتِ وَأَتَى بِهِ فِي أَعْقَابِهَا، فَهَذَا يَخْتَصُّ بِهِ الْأَضْحَى دُونَ الْفِطْرِ، لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حُرْمَةِ الْحَجِّ، وَيَتَّصِلُ بِهِ مِنْ أَحْكَامِ النَّحْرِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْأَضْحَى، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، يَقْطَعُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ آخر أيام التشريق، فيكبر عقيب خمس عشر صَلَاةً وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيُّ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ بَعْدِ الْمَغْرِبِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى بَعْدِ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَتَكُونُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ صَلَاةً، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ إِنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ بَعْدِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى بَعْدِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَتَكُونُ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً ثُمَّ قَالَ وَأَسْتَخِيرُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُخَرِّجُ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى بَعْدِ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاسَ فِي التَّكْبِيرِ تَبَعٌ لِلْحَاجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] فَخَاطَبَ الْحَاجَّ بِذَلِكَ، وَقِيلَ أَرَادَ بِالْمَنَافِعِ شُهُودَ عَرَفَةَ، وَقِيلَ أراد به النحر، والحاج يبتدؤن بِالتَّكْبِيرِ عِنْدَ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ النحر.