مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ تَعَالَى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 66)
وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ فَانْهَزَمُوا مِنْ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْهِمْ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْخَوْفِ، وَإِنِ انْهَزَمُوا مِنْ مِثْلِهِمْ فَمَا دُونَ نُظِرَ فِي حَالِهِمْ، فَإِنِ انْهَزَمُوا لِيَتَحَرَّفُوا لِقِتَالٍ أَوْ يَتَحَيَّزُوا إِلَى فِئَةٍ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَإِنِ انْهَزَمُوا غَيْرَ مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ وَلَا مُتَحَيِّزِينَ إِلَى فِئَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْخَوْفِ لِأَنَّهُمْ عَاصُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (الأنفال: 14) وَلَا فَرْقَ فِي الْفِئَةِ الَّتِي تَنْحَازُ إِلَيْهَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بَعِيدَةً أَوْ قَرِيبَةً فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ انْهَزَمُوا مِنَ الْعِرَاقِ أَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حُكْمِهِمْ إِذَا لَمْ يُطِيقُوا قِتَالَ مِثْلَيْهِمْ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُوَلُّوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَحَرَّفُوا لِقِتَالٍ أَوْ يَتَحَيَّزُوا إِلَى فِئَةٍ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) {البقرة: 286) .
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ لَهُمْ طَرِيقًا إِلَى مَا لَا يَجُوزُ، إِذْ لَا يُعْدَمُ الِانْحِيَازُ إِلَى فِئَةٍ قَرُبَتْ أَمْ بَعُدَتْ وَاعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ عَلَى نَصِّ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ أبو حنيفة: كَانَ هَذَانِ الْحُكْمَانِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَا مَعًا وَعَلَيْهِمْ أن يقاتلوا ما أمكن.
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ غَشِيَهُمْ سَيْلٌ وَلَا يَجِدُونَ نَجْوَةً صَلَّوْا يومئون عدوا عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَرِكَابِهِمْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا غَشِيَهُمْ سَيْلٌ أَوْ ظَلَّهُمْ سَبُعٌ أَوْ ضال عَلَيْهِمْ فَحْلٌ أَوْ أَظَلَّهُمْ حَرِيقٌ وَلَمْ يَجِدُوا نَجْوَةً عَالِيَةً وَلَا جَبَلًا مَنِيعًا وَخَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ أَوْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ فسعوا لصلاحهم فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَإِنْ غَشِيَهُمْ غَرَقٌ إِذَا تَنَحَّوْا عَنْ سَنَنِهِ أَوْ هَدْمٌ إِنْ تَنَحَّوْا عَنْ مَسْقَطِهِ أَوْ حَرِيقٌ فِي صَحْرَاءَ إِذَا تَنَحَّوْا عَنْ سَنَنِ الرِّيحِ سَلِمُوا لَمْ تُجْزِهِمْ إِلَّا صَلَاةٌ لَوْ كَانَتْ في غير الخوف أجزأتهم.