أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَخْذَهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) {النساء: 102) فَكَانَ الْأَمْرُ بِأَخْذِهِ دَالًّا عَلَى وُجُوبِهِ ثُمَّ أَعَادَ الْأَمْرَ تَأْكِيدًا وَحَذَّرَ مِنَ الْعَدُوِّ بِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) {النساء: 102) ثُمَّ رَفَعَ الْجُنَاحَ عَنْ تَارِكِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} [النساء: 102] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجُنَاحَ لَاحِقٌ بِتَارِكِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ أَخْذَهُ اسْتِحْبَابٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِأَخْذِهِ لِعُذْرٍ فَقَدَّمَ حَظْرَهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَمْرُ بَعْدَ الْحَظْرِ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] ، وَلِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُصَلِّيَةَ مَعَ الْإِمَامِ مَحْرُوسَةٌ بِغَيْرِهَا وَالْقِتَالُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهَا وَحَمْلُ السِّلَاحِ يُرَادُ إِمَّا لِحِرَاسَةٍ أَوْ قِتَالٍ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ حَمْلُ السِّلَاحِ عَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا فِي الصَّلَاةِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ قَادِحًا فِي الصَّلَاةِ وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ: وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ. والموضع الذي أوجبت فيه حمل السلاح وهو مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَالسِّكِّينِ وَالْخِنْجَرِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي اسْتُحِبَّ فِيهِ حَمْلُ السِّلَاحِ: هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَدْفَعُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ كَالْقَوْسِ وَالنُّشَّابِ.
: فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْكَلَامُ فِي كيفية السلاح يترتب على طريقين: فَمَنْ قَالَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ جَعَلَ السِّلَاحَ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ حَرُمَ حَمْلُهُ فِيهَا وَضَرْبٌ كُرِهَ حَمْلُهُ فِيهَا وَضَرْبٌ يَجِبُ حمله فيها وضرب يستحب فِيهَا وَضَرْبٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُصَلِّي.
فَأَمَّا الذي يحرم حمله فيها ضربان: نجس ومانع.
فالنجس ما غش جِلْدَ مَيْتَةٍ لَمْ يَدْبَغْ أَوْ نَجِسَ بِدَمِ جَرِيحٍ أَوْ طُلِيَ بِسُمِّ حَيَوَانٍ وَالْمَانِعُ الْبَيْضَةُ السابقة على جبهته، والنور المانع مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَأَمَّا الَّذِي يُكْرَهُ حَمْلُهُ فِيهَا: فَهُوَ السِّلَاحُ الثَّقِيلُ الَّذِي يَتَأَذَّى بِحَمْلِهِ فِيهَا، وَأَمَّا الَّذِي يَجِبُ حَمْلُهُ فَهُوَ السِّكِّينُ وَالْخِنْجَرُ وَمَا يَمْنَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الَّذِي يُسْتَحَبُّ حَمْلُهُ فِيهَا: فَهُوَ الْقَوْسُ وَالنُّشَّابُ وَمَا يَمْنَعُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الَّذِي يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُصَلِّي فَكَالرُّمْحِ إِنْ كَانَ فِي وَسَطِ النَّاسِ كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّهُ يُؤْذِي بِهِ مَنْ جِوَارَهُ. وَإِنْ كَانَ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ كَانَ مُسْتَحَبًّا لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ عَنْ غيره.
ومن قال المسألة على قوليه جَعَلَ السِّلَاحَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: