وقَوْله تَعَالَى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) {النساء: 102) أَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ: لِأَنَّ الْمَأْمُورَ فِيهَا أَنْ يُصَلِّيَ بِجِمَاعَةٍ وَأَنْ تَحْرُسَهُ جَمَاعَةٌ فَكَانَتِ الطَّائِفَةُ عِبَارَةً عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ في الإطلاق ثلاثا وَإِنَّمَا يُعَبَّرُ عَنِ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ بِدَلِيلٍ لَا بِمُطْلَقِ الْعِبَارَةِ وَظَاهِرِهَا.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) {الحجرات: 9) فَحَمَلَ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ وَالْقَبِيلَتَيْنِ مِنَ النَّاسِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] فَحَمَلَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ فِي الْآيَاتِ لِتَعَلِّقِهِ بِالزِّنَا وَلَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ.
وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122] فَحَمَلَ عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّ الْإِنْذَارَ يَقَعُ بِهِ فَكَانَ ذِكْرُ الطَّائِفَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَخْتَلِفُ حَمْلًا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا وَيُقَارِنُهَا فِي مَوْضِعِهَا، فَإِذَا صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ طَائِفَةٌ أَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ فَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلَّ مِنْ طَائِفَةٍ وَتَحْرُسَهُ أَقَلُّ مِنْ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْتَقُمْ طائفة منهم معك} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فليصلوا معك} فَإِنْ صَلَّى بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ صَلَّى بِثَلَاثَةٍ وَحَرَسَهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَقَدْ أَسَاءَ وصلاتهم مجزئة.
: قال الشافعي رضي الله عنه: (وإن كانت صلاة المغرب فإن صلى بالطائفة الأولى ركعتين وَثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ فَحَسَنٌ وَإِنْ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ فَجَائِزٌ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهَا مَا بَقِيَ ثُمَّ يَثْبُتُ جَالِسًا حَتَّى تَقْضِيَ مَا بَقِيَ عَلَيْهَا ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ فَأَمَّا صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَثَلَاثُ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْخَوْفِ بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ: فَالْأَوْلَى وَالْمَسْنُونُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى وَيُتِمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، وَيُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَتُتِمَّ لِأَنْفُسِهَا رَكْعَتَيْنِ.
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْلَى لِأَمْرَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَخَفُّ انْتِظَارًا وَأَسْرَعُ فَرَاغًا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَالَ كَانَتْ تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَلَمَّا تَعَذَّرَتِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تَتَبَعَّضُ كَانَ تَكْمِيلُ ذَلِكَ لِلطَّائِفَةِ الْأُولَى أَخَفَّ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: لِمَا لَهَا مِنْ حَقِّ السَّبْقِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَ الصلاة أكمل من آخرها لما يتضمنها من قراءة السورة بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، فَلَمَّا اخْتَصَّتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بِأَكْمَلِ الطَّرَفَيْنِ وَجَبَ أَنْ تَخْتَصَّ بِأَكْمَلِ الْبَعْضَيْنِ، فَلَوْ خالف