الحاوي الكبير (صفحة 899)

صَلَاتَهَا وَتَقِفُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ ثُمَّ تُتِمُّ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ صَلَاتَهَا وَنُسِبَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ إِلَى ذَاتِ السَّلَاسِلِ وَذِي قَرَدَ وَرَوَاهَا سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ وَسَاقَ مَا حَكَاهُ.

وَإِذَا تَقَابَلَ الْحَدِيثَانِ وَجَبَ الِاسْتِدْلَالُ بِتَرْجِيحِ الْأَخْبَارِ وَتَقْدِيمِ أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ بِشَوَاهِدِ الْأُصُولِ، فَأَمَّا أبو حنيفة فَرَجَّحَ مَذْهَبَهُ بِشَوَاهِدِ الْأُصُولِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أن قال: وجدت الأصول مبنية على الْمَأْمُومَ لَا يَخْرُجُ مِنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ إِمَامِهِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ أَفْعَالِهَا مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، وَمَذْهَبُكُمْ يُؤَدِّي إِلَى هَذَا فِي الطَّائِفَةِ الْأُولَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مِنَ التَّرْجِيحِ أَنْ قَالَ: وَالْأُصُولُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْمَأْمُومَ، وَمَذْهَبُكُمْ يُؤَدِّي إِلَى هَذَا فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ.

وَمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ أَصَحُّ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقْتَضِيهِ، وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ لَهُ، وَأَمَّا الْكِتَابُ فَيَقْتَضِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] فَأَضَافَ الْفِعْلَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء: 102] فَأَضَافَ فِعْلَ السُّجُودِ عَلَيْهِمْ، فَاقْتَضَى الظَّاهِرُ انْفِرَادَهُمْ بِهِ، ثُمَّ أَبَاحَهُمْ الِانْصِرَافَ بَعْدَ فِعْلِهِ فَصَارَ تَقْدِيرُ قَوْله تَعَالَى: {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة، صَلَّيْتَ بِهِمْ رَكْعَةً} فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رَكْنٌ فِيهَا وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء: 102] أَيْ: صَلَّوُا الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَلْيَنْصَرِفُوا. فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالسُّجُودِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِيهَا، فَسَقَطَ بِهِ مَذْهَبُ أبي حنيفة فِي الطَّائِفَةِ الْأُولَى.

وَالثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] فظاهر قوله تعالى: {لم يصلوا} أَيْ لَمْ يُصَلُّوا شَيْئًا مِنْهَا، وَظَاهِرُ قَوْله تعالى: {فليصلوا معك} أَيْ جَمِيعَ الصَّلَاةِ بِكَمَالِهَا، فَسَقَطَ بِهِ مَذْهَبُ أبي حنيفة فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَيْنَاهُ أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَشْهَرُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ.

وَأَمَّا الِاسْتِشْهَادُ بِالْأُصُولِ: فَهِيَ تَشْهَدُ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَعَلَى تَرْجِيحِ مَذْهَبِنَا مِنْ وَجْهَيْنِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015