الشَّافِعِيُّ: وَلَا فَضْلَ لِلْمَقْصُورَةِ عَلَى غَيْرِهَا، لِأَنَّهُ شَيْءٌ مُحْدَثٌ، قِيلَ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَهُ مُعَاوِيَةُ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الصَّفَّ الْأَوَّلَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى " وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النداء والصف الأول ثم لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا ".
وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " أن الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَى الْإِمَامِ ثُمَّ عَلَى الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ عَلَى الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الذين يلونهم ".
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَأُحِبُّ التَّبْكِيرَ إِلَيْهَا وَأَنْ لَا تُؤْتَى إِلَّا مَشْيًا لَا يَزِيدُ عَلَى سَجِيَّةِ مِشْيَتِهِ وَرُكُوبِهِ وَلَا يُشَبِّكُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لِقُوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. يُكْرَهُ الرُّكُوبُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَيُخْتَارُ إِتْيَانُهَا مَشْيًا، لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ قَالَ: " مَا رَكِبَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ قَطُّ ". وَلِمَا فِيهِ مِنْ أَذَى النَّاسِ وَمُزَاحَمَتِهِمْ، وَيُخْتَارُ إِذَا مَشَى أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى سَجِيَّتِهِ فِي مِشْيَتِهِ، وَقَدْ حُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْعَى إِلَى الْجُمْعَةِ سَعْيًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إلى ذكر الله} وَهَذَا عِنْدَ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ، وَهُوَ عِنْدَنَا مَكْرُوهٌ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ إِلَى الْجُمُعَةِ وَتَسْعَوْنَ سَعْيًا فَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا ". وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِجَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ: " ائْتِ الْجُمُعَةَ عَلَى هِينَتِكَ " فَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَؤُهَا: فَامْضُوا إلى ذكر الله، ومن قرأها " فاسعوا " قَالَ أَرَادَ بِهِ الْقَصْدَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَقَالَ قيس بن الأسلت:
(أسعى على جل بَنِي مَالِكٍ ... كُلُّ امْرِئٍ فِي شَأْنِهِ سَاعِي)
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ السَّعْيُ لَسَعَيْتُ حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي. وَيُخْتَارُ لِمَنْ تَوَجَّهَ إِلَى الْجُمْعَةِ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِغَيْرِ قَصْدِهِ، وَلَا يَعْبَثَ بِيَدِهِ، وَلَا يُشَبِّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا انْتَظَرَ أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فَلَا يُشَبِّكْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَيْهَا ".