أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ: " وَإِذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَحْبَبْتُ أَنْ يَنْزِلَ، وَيَتَطَهَّرَ، وَيَعُودَ لِيَبْنِيَ عَلَى خُطْبَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ وَمَضَى عَلَى خُطْبَتِهِ فَقَدْ أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ ". وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ ذِكْرٌ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ الطَّهَارَةُ مِنْ شَرْطِهِ كَالْأَذَانِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ لَا تُجْزِئُهُ إِلَّا بِطَهَارَةٍ، لِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ أُقِيمَا مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ كَانَتِ الطَّهَارَةُ مِنْ شَرْطِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مِنْ شَرْطِ الْخُطْبَتَيْنِ.
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا حُصِرَ الْإِمَامُ لُقِّنَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. وَالْإِمَامُ إِذَا حُصِرَ فِي خُطْبَتِهِ وَأُرْتِجَ عَلَيْهِ فَلَهُ حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ إِذَا فُتِحَ عَلَيْهِ زَالَ حَصْرُهُ وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ أَوْ فِي قِرَاءَتِهِ فَهَذَا يُلَقَّنُ، وَيُفْتَحُ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ أَفِيكُمْ أُبَيٌّ " قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ هَلَّا ذَكَّرْتَنِي، فَقَالَ مَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يَرَى أَبَيًّا يُلَقِّنُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وروي عن علي ابن أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ " إِذَا اسْتَطْعَمَكُمُ الْإِمَامُ فَأَطْعِمُوهُ ". قِيلَ مَعْنَاهُ: إِذَا أُرْتِجَ عَلَى الْإِمَامِ فَلَقِّنُوهُ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مِمَّنْ إِذَا فُتِحَ عَلَيْهِ ازْدَادَ حَصْرُهُ، وَإِذَا تُرِكَ اسْتَدْرَكَ غَلَطَهُ، فَهَذَا يُتْرَكُ وَلَا يُلَقَّنُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السلام " إذا حصر الإمام فلا تلقنه ".
(مسألة)
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا قَرَأَ سَجْدَةً فَنَزَلَ فَسَجَدَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ كَمَا لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ (قَالَ) واجب أن يقرأ في الآخرة بآية ثم يقول أستغفر الله لي ولكم ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. وَالْأَوْلَى بِالْإِمَامِ أَنْ لَا يَقْرَأَ فِي خُطْبَتِهِ آيَةَ سَجْدَةٍ، فَإِنْ قَرَأَ وَأَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى مِنْبَرِهِ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ عَلَى مِنْبَرِهِ فَإِنْ نَزَلَ وَسَجَدَ جَازَ، وَإِنْ تَرَكَ السُّجُودَ وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ وَسَجَدَ، ثُمَّ قَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ سَجْدَةً فَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَلَمْ يَسْجُدْ، وَقَالَ: عَلَى رِسْلِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ.