يحمد الله ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويوصي بتقوى الله وَطَاعَتِهِ وَيَقْرَأَ آيَةً فِي الْأُولَى وَيَحْمَدَ اللَّهَ ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويوصي بتقوى الله ويدعو في الآخرة لأن معقولا أن الخطبة جمع بعض الكلام من وجوه إلى بعض وهذا من أوجزه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. أَقَلُّ مَا يُجْزِي مِنَ الْخُطْبَةِ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا دُونَهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقِرَاءَةُ آيَةٍ.
وَقَالَ أبو حنيفة: إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَدْ أَجْزَأَهُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الجمعة: 9)
فَكَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " ذِكْرِ اللَّهِ " سُبْحَانَهُ الْخُطْبَةَ، فَاقْتَضَى الْعُمُومُ جَوَازَ أَيِّ ذِكْرٍ كَانَ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ " فَسَمَّاهُ خَطِيبًا بِهَذَا الْقَدْرِ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ لِيَخْطُبَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ أُرْتِجَ عَلَيْهِ. فَنَزَلَ دَرَجَةً وَقَالَ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا يُعِدَّانِ لِهَذَا الْمَقَامِ مَقَالَةً، وَإِنِّي مَا أَعْدَدْتُ لَهُ مَقَالًا، وَإِنَّكُمْ إِلَى إِمَامٍ فعال، أحوج منكم إلى إمام قوال، وسأعد مَا أَقُولُ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصَلَّى الْجُمْعَةَ، فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصحابة. ولأن أي ما ذكرناه غير مجز وَلِأَنَّهُ ذُكِرَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِيَ مِنْهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذِّكْرِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ: فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْوَارِدُ عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " فَاسْعَوْا إلى ذكر الله " سُبْحَانَهُ، وَفِعْلُهُ الْمَنْقُولُ خُطْبَةٌ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا دُونَهُ، وَلِأَنَّ الْخُطْبَةَ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْمُتَعَارَفِ فِي الشرع إنما هي جمع كلام اختلف أَلْفَاظُهُ وَمَعَانِيهِ، وَهُوَ بِمُجَرَّدِ الذِّكْرِ لَا يَكُونُ خَطِيبًا عُرْفًا وَلَا شَرْعًا، وَلِأَنَّ الْجُمْعَةَ ظُهْرٌ مَقْصُورٌ بِشَرَائِطَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ فِي شَرَائِطِهَا إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَوْ مَا يُجْمَعُ عَلَى كَوْنِهِ شَرْطًا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ ثَابِتٌ بِهِمَا جَمِيعًا، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ لِصَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِيَ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذِّكْرِ كَالْأَذَانِ.
الْجَوَابُ: أَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الذِّكْرَ فِيهَا مُجْمَلٌ. أَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " بئس الخطيب