وَعَنْ أبي حنيفة: أَنَّهُ مَنَعَ مِنْهَا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَصَحُّ.
فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْأَذَانِ قَامَ فَخَطَبَ قَائِمًا خُطْبَتَيْنِ، يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جَلْسَةً خَفِيفَةً.
فَإِنْ خَطَبَ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ جَازَ، لَكِنْ يَقِفُ مِنَ الْقِبْلَةِ عَلَى يَسَارِ مُسْتَقْبَلِهَا وَيَمِينِ مُسْتَدْبِرِهَا، بِخِلَافِ خُطْبَتِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَأَيْنَ وقف جاز.
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وروي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذَا خَطَبَ اعْتَمَدَ عَلَى عَنَزَتِهِ اعْتِمَادًا وقيل على قوس (قال) وأجب أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَحْبَبْتُ أَنْ يُسَكِّنَ جَسَدَهُ وَيَدَيْهِ إِمَّا بِأَنْ يَجْعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُقِرَّهُمَا فِي مَوْضِعِهِمَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا لَهُ الِاعْتِمَادَ عَلَى شَيْءٍ لِرِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذَا خَطَبَ الْعِيدَ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا. لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْكَنُ لِرُوعِهِ، وَأَهْدَأُ لِجَوَارِحِهِ، وَأَمَدُّ لِصَوْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَسْدَلَ يَدَيْهِ أَوْ حَطَّهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ جَازَ.
فَأَمَّا لُبْسُ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فَكِلَاهُمَا جَائِزٌ، قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَلْبَسُ الْبَيَاضَ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الْأَرْبَعَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان يعتم بعمامة سوداء، ويرتدي بردا أسحمي، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ السَّوَادَ بَنُو الْعَبَّاسِ فِي خِلَافَتِهِمْ شِعَارًا لَهُمْ، وَلِأَنَّ الرَّايَةَ الَّتِي عُقِدَتْ لِلْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَتْ سَوْدَاءَ، وَكَانَتْ رَايَاتُ الْأَنْصَارِ صَفْرَاءَ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَلْبَسَ السَّوَادَ إِذَا كَانَ السُّلْطَانُ لَهُ مُؤْثِرًا لِمَا فِي تَرْكِهِ من مخالفته وتغير شعاره.
(مسألة)
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَيُقْبِلُ بِوَجْهِهِ قَصْدَ وَجْهِهِ، وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. من سنة الخطيب أَنْ يَسْتَدْبِرَ بِهَا الْقِبْلَةَ، وَيَسْتَقْبِلَ بِهَا النَّاسَ، لِرِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذَا خَطَبَ يَسْتَقْبِلُنَا بِوَجْهِهِ وَنَسْتَقْبِلُهُ بِوُجُوهِنَا، وَلِأَنَّهُ يَعِظُهُمْ بِخُطْبَتِهِ، وَيُوصِيهِمْ بِتَقْوَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَمُرَاقِبَتِهِ، وكان إقباله